ديموقراطية أوسلو 2021: إعادة إنتاج للهزيمة وتوسيع دائرة الانخراط فيها باسم الوحدة الوطنية
بقلم نضال العزة
إجماع الفصائل الفلسطينية المشارِكة في حوار القاهرة الذي عقد في 8 – 9/ شباط 2021 على إجراء الانتخابات،[1] وبحسب الجدول الموصوف في المرسوم الرئاسي الصادر في 15 كانون ثاني 2021، لا يلغي اختلاف أسباب كلّ طرف من أطراف هذا الاتفاق أو التوافق المعلن عنه. ورغم أنّ اختلاف الأسباب لا يعيب الحوار نفسه كمظهر ديموقراطي يعكس تغليب “الشراكة الوطنية” والتصرف “بمسؤولية وطنية عالية”، كما عبر عنه البيان الختامي، إلا إنّه في نفس الوقت يكشف عن مدى الانسياق أو الاستعداد للانسياق في إطار منظومة مدريد-أوسلو وما أنتجته من انهيارات وطنية عبر ثلاثة عقود مضت.
هذا المقال غير مخصص لمناقشة موقف طرفي الانقسام؛ إنّما يتناوله بالقدر الذي يناسب مناقشة مواقف مختلف القوى والفصائل الفلسطينية التي اندفعت للإعراب عن دعمها وتأييدها، أو اتّخذت موقف الانخراط المتمنِّع أو أبدت تحفظاً ما. وعليه، يركّز المقال على أهم مبررات وحجج هؤلاء المعارضين و/أو الرافضين لأوسلو، ويرى أنّها في جوهرها مواقف انتهازية يمينية فكراً وممارسة ما زالت تضفي شرعية على نهج أوسلو المهيمن. المقال يُفنّد ادّعاءات هذا الفريق الذي غالباً ما يوصف باليسار الفلسطيني، بأنّ مشاركته في الانتخابات تأتي لإنهاء الانقسام، وحرصاً على الوحدة الوطنية، ولمقاومة أوسلو عبر تشكيل جبهة عريضة متعددة يراد لها أن تكون حاجزاً مانعاً أمام مزيد من الانهيار السياسي، وتوقف التدهور المتسارع في مستوى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والحريات العامة. يخلص المقال إلى أنّ هذا الطرح يعاني من قصور في الرؤية والاستراتيجية؛ ذلك أنّ بناء هكذا جبهة لا يستدعي استئذان أحد، ولا يتطلب الانخراط في أوسلو لا جزئياً ولا كلياً، وأنّ هذا المنهج التجريبي- الانتقائي لا يرى، أو لا يريد أن يرى، أنّ أوسلو بعد ثلاثين عاماً لم تعد مجرد اتفاقيات على ورق؛ إنّما أصحبت منظومة وظيفية سياسياً وأمنياً واقتصادياً وأيديولوجياً، وأنّ الانخراط فيها، بصرف النظر عن النوايا الطيبة، لا بدّ أن ينتج مزيداً من الاستسلام والقمع والتبعية والاغتراب.
الادعاء بأنّ الانتخابات أولوية وطنية:
يمكن وصف موقف طرفي الانقسام بأنّه تجسيد لإرادات الغير على شكل استجابة للتغيرات الإقليمية والدولية. لا شكّ بأنّ التفاعل مع المتغيرات المحيطة هو ضرورة منهجية وعملية، ولكن عندما يكون هكذا تفاعل انصياعاً يصبح الحديث عن “القرار الوطني المستقل” و “أولوية الأولويات الفلسطينية”، و “معركة الاستقلال” مجرد ذرّ للرماد في العيون، خصوصا ان الانصياع يأتي لأطراف ليس لها علاقة لا بالتحرير ولا التحرّر. بكلمات أخرى هو الموقف الناشئ عن الارتباطات الإقليمية والدولية لطرفي الانقسام فتح وحماس،[2] واضطرارهما للتكيّف تحقيقاً للمكاسب الفئوية المنشودة.[3] السؤال هنا ما الذي تغيّر لتصبح الانتخابات أولوية وطنية ملحة؟ فالمصالحة الوطنية، والتي كانت طوال خمسة عشر عاماً شرطاً مسبقاً لإجراء الانتخابات، لم تنجز بل وصارت الانتخابات – بقدرة قادر – تشكّل المدخل الصحيح للمصالحة. طبعاً، هذا الطرح، يقفز في الهواء، إذ يتجاهل حقيقة أنّ انتخابات العام 2006 كانت أحد الأسباب الرئيسة في إحداث الانقسام الذي يسعون إلى معالجته الآن بالانتخابات. وكذلك الحال مع الذرائع الأخرى: التعنت الإسرائيلي، وتعثر المفاوضات وعملية السلام، والتوتر في الإقليم، وانشغال المجتمع الدولي في أزماته الاقتصادية والأمنية، وهي الذرائع التي اعتادت الأطراف أن تسوقها للتهرب من هذا “الاستحقاق”، فهي ما زالت قائمة ولم تتغير. فما الذي تغيّر ليجعل من الذرائع التي كانت تستخدم لتبرير عدم إجراء الانتخابات تصبح فجأة هي نفسها الأسباب التي تجعل الانتخابات أولوية وطنية؟!
إنه لمن السخافة بمكان الاعتقاد أنّ طرفي الانقسام، اللذين تجاهلا فعلياً خطورة استمرار الانقسام على القضية وأمعنّا في مأسسة الانقسام خلال خمسة عشر عاماً، قد أصبحا فجأة ديموقراطيين جداً جداً فأنعما على شعبنا باتفاق يقضي بإجراء الانتخابات. إنّ اتفاق طرفي الانقسام هذا، ما هو إلاّ تعبير عن الارتباطات الإقليمية لكلٍّ من سلطة رام الله وسلطة غزة، وهو تجسيد مكثّف لاستعداد كلّ طرف لاستقبال الرئيس المنتخب بايدن.[4] فاتفاق طرفي الانقسام الفجائي هذا، مثله مثل المصالحات والتسويات بين دول مجلس التعاون الخليجي، وبين الأطراف المتصارعة في ليبيا بما فيها تركيا، وتماشيا مع قفزة المواقف الأوروبية التي علت في نبرتها في أكثر من قضية بعد فوز بايدن. من جهة السلطة وحركة فتح، هو تعبير عن الاستعداد للانخراط بلا قيد أو شرط في جولات التفاوض المحتملة. ومن جهة حماس هو تهيئة للذات للجلوس على الطاولة؛ أي أنه وثبة لحجز مقعد على الطاولة مقدماً. وعليه، فإنّ الادعاء و/أو التساوق مع الادعاء بأنّ الانتخابات بحسب رؤية الأطراف والرئيس تشكل أولوية وطنية هو مجرد إسهام آخر في تضليل شعبنا؛ ذلك أنّ هذه الأولوية كان يتم استبعادها بإدراك تام مع سبق الإصرار من الطرفين، حتى في أوج تغوّل نتنياهو وترامب على حقوق شعبنا وقضيته برمتها. ولا مجال هنا لافتراض حسن النوايا، أو لإعمال مقولة “إدراك متأخر خير من جهل دائم”؛ لأنّ الأطراف لم تكن غير مدركة أصلاً لما جلبته على شعبنا، ولأن طبيعتها الاستبدادية المشهود لها بالملموس تجعل من افتراض حسن النية باسم المصلحة الوطنية غباء محكماً أو تسويقاً للوهم.
المواقف الفلسطينية من المشاركة في الانتخابات:
على هامش موقف طرفي الانقسام تبرز أربعة مواقف من المشاركة في الانتخابات يمكن تلخيصها في:
الأول؛ موقف التأييد والدعم وهو الموقف المستند إلى المنهج التجريبي ويرى أنّ الانتخابات تشكل فرصة للمصالحة والوحدة الوطنية وإنهاء التفرد والإقصاء.[5] وهو موقف يريد بشدة مواصلة الانتفاع بمكاسب أوسلو من خلال مواصلة التحالف مع فتح والانخراط في سلطة رام الله، على أمل حدوث خرق غير عادي ومعجزة تعيد للحركة الوطنية ألقها.
الثاني؛ موقف الانخراط المتمنّع، وهو الذي بدأ بالمراوحة أي الوقوف ما بين عدم المعارضة مبدئياً ووقف المشاركة على تحقق توافق سياسي وبعض الشروط التقنية والإجرائية وانتهى بقرار المعارضة مبدئياً والمشاركة عملياً.[6] وهو موقف يتّبع المنهج الانتقائي؛ إذ يعتقد أنّ بإمكانه أن يصطفي ما يحلو له من أوسلو ويترك ما لا يحلو له، وكأن مواجهة منظومة أوسلو بسطة في حسبة مجانية أو كأن مواجهة أوسلو تكون بأدوات أوسلو.[7]
الثالث؛ موقف عدم المشاركة وعدم المعارضة والمقصود هنا تحديداً “موقف عدم المشاركة في الانتخابات دون السعي إلى تعطيلها” كما ورد في بيان الجهاد الإسلامي وتصريحات البطش بعد انتهاء جلسة حوار القاهرة.[8] في ظل أنّ الاسباب التي اعتادت الجهاد الإسلامي أن تسند موقفها إليها ما زالت قائمة ولم تتغير، يبدو أنّه لا يمكن تفسير هذا الموقف الوسطي الهلامي إلا برغبة إيران في استكشاف توجهات الإدارة الأميركية الجديدة في المنطقة. وبالتدقيق في أثر هذا الموقف من الناحية العملية، يتبين أنّه موقف يكاد يماثل موقف الانخراط المتمنّع، يريح السلطتين في رام الله وغزة، ويشكل نقطة البداية في عملية احتواء حركة الجهاد سيراً على خطى من سبقها من الحركات والجبهات.
الرابع؛ موقف الرفض المبدئي والدعوى لمقاطعة الانتخابات وهو الموقف الذي يستند إلى اعتبارات وطنية مبدئية سياسية واستراتيجية ونضالية. ولا يمكن اعتبار هذا الموقف عدمياً أو عديم التأثير، لأنه ليس مجرد دعوة للعزوف عن المشاركة بسبب الإحباط أو عدم الاهتمام بالشأن العام، بل هو دعوة إلى اجتراح وتطوير بديل عن أوسلو وكل ما أفرزته باعتبار أنّ إسقاط أوسلو لا يكون بالانخراط فيها ولو جزئياً، ولا بأدوات أوسلو.[9]
الاعتراضات التقنية والإجرائية اعتراض ضمن أرضية أوسلو لا على المنظومة
مواقف الدعم والتأييد، والانخراط المتمنّع، وعدم المشاركة مع عدم الاعتراض تشكّل ممارسة انتهازية يمينية تضفي على نهج أوسلو شرعية باسم الوحدة الوطنية وباعتبار أنّ المشاركة هي الفعل الإيجابي الوحيد. فالاعتراضات القانونية التي سيقت سواء في الاعتراض على بعض ما ورد في مرسوم رئيس السلطة، أو الواردة في قانون الانتخابات لعام 2007، أو تلك التي سيقت تحضيراً لاجتماع الفصائل في القاهرة، كلها اعتراضات تقنية وإجرائية وشكلية. ورغم وجاهة الاعتراضات المتعلقة بالعمر، ونسبة تمثيل المرأة، ومحكمة الانتخابات، والرقابة، وتشكيل حكومة انتقالية، وغيرها إلا أنها في المحصلة تبقى اعتراضات ضمن منظومة أوسلو، لا اعتراضات على المنظومة نفسها.[10] لذلك، انتهى أصحاب هذه الاعتراضات، خصوصاً اليسار البراغماتي الليبرالي جداً، إلى التنازل عن بعضها مقدماً، مثل مطلب تشكيل حكومة انتقالية الذي لم يتم ذكره بتاتاً في بيان حوار القاهرة. كما انتهوا إلى توجيه اعتراضاتهم الاخرى على شكل طلب ومناشدة للرئيس، حيث يتوقع أن يتكرّم الرئيس بالاستجابة لبعضها أو كلها عبر مرسوم رئاسي (والأصل في هذه المراسيم أنها غير دستورية). وبهذا بدل أن تصبح الاتفاقيات (ناهيك عن الميثاق الوطني) هي المرجعية صار الرئيس بشخصه، المؤمن بأوسلو قلباً وقالباً، هو المرجعية. أما أصحاب موقف الانخراط المتمنّع، فاكتفوا بتعداد أسباب ومبررات المشاركة وأهدافها، ولم يقدموا لنا إجابة على السيدة كيف؛ أي كيف ستؤدي المشاركة إلى إنتاج قطب مانع للانهيار وحافظ للحقوق على أنقاض أوسلو. في المحصلة، كل هذه الاعتراضات سواء تم الاستجابة لها أو لم تتم، لن تغير من المسائل الجوهرية مثل حقيقة أنّ انتخابات السلطة هذه ستنتج رئيساً لفلسطين- حتى قبل أن يتم تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، وأنها تجري ضمن سقف أوسلو السياسي والأمني والقانوني والمنفعي، هذا السقف الذي استبدل فلسطين بمناطق (أ، ب، ج)، وأوجد تعريفاً قزماً لمن هو الفلسطيني، وصاغ لنا حدود الانتخابات وشروط حق الاقتراع وحق الترشح.[11]
الادعاء بأنّ الانتخابات ممارسة لحق تقرير المصير ومعركة ضد الاحتلال
يصوّر طرفا الانقسام واليسار الليبرالي المنساق والمتساوق معهما الانتخابات وكأنّها ممارسة لحقّ تقرير، بل يصرّون على تسويقها وكأنّها معركة في مواجهة المستعمر، ويدافعون عن خوضها تحت حراب المستعمر بالاستشهاد بوطنية انتخابات البلديات في عام1976 .[12] وهنا لا بد من التوضيح أنّه:
أولاً: الانتخابات و/أو الاستفتاءات حول تقرير المصير للشعوب كما يعرفها القانون الدولي والممارسات الفضلى للشعوب تكون بهدف تحديد المركز القانوني والسياسي للدولة على المستوى الدولي، وخصوصاً دولة الاستعمار، وليس لمجرد تداول السلطة داخلياً.[13] ولعلّه من الجدير هنا التذكير مثلاً باتفاقية إيفيان لعام 1962 التي نظّمت موضوع الاستفتاء على استقلال الجزائر وجاءت نتيجة المقاومة الجزائرية حيث فرضتها جبهة التحرير الجزائرية على فرنسا (ديغول) الذي اضطر مرغماً للإقرار بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره. تلك الانتخابات-الاستفتاء كانت ممارسة لحق تقرير المصير من قبل كلّ الشعب الجزائري، بمن فيهم المهجرين إلى بلدان أخرى، على كامل الجزائر وليس على جزء منها، حيث انتهت تلك الانتخابات- الاستفتاء باستقلال الجزائر والتخلص من الاستعمار الفرنسي. بدأ الشعب الجزائري، وليس جزءاً منه، من بعدها (وليس قبلها) يخطّ طريقه نحو تداول السلطة داخلياً. بكلمات أخرى، الفرق بين انتخابات تقرير المصير وانتخابات تداول سلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال كالفرق بين اتفاقية إيفيان واتفاقية أوسلو!
ثانياً: صحيح أنّ الاحتلال أكبر المستفيدين من الانقسام، ولكن هذا لا يعني أنّ التوحد تحت سقف أوسلو يشكّل تهديداً استراتيجياً للاحتلال، فقد تكون هكذا وحدة جزءاً من عملية الاحتواء. إنّ الادعاء بأنّ الانتخابات معركة ضد الاحتلال وليست معركة تداول السلطة لا يغير من الحقيقة شيئاً: إنّها معركة تقاسم رشى ومنافع ودور وظيفي بما يسهم موضوعياً في شرعنة الاستعمار وإطالة عمره. حتى أنّ تصريح جبريل الرجوب الذي تكرر على أكثر من محطة وموقع وفي أكثر من مناسبة،[14] بأنّ الانتخابات ستجرى في القدس “غصباً عن إسرائيل” هو ادعاء فارغ. أوّلاً لأنّ سلطة أوسلو صادقت سلفاً على أنّ الانتخابات في شرق القدس (ويسميها أهل أوسلو القدس الشرقية) تجري بموافقة وبحسب إسرائيل وبالتعاون معها.[15] وثانياً، تعبيراً عن العجز وتماشياً مع اتفاقيات أوسلو اكتفى حوار القاهرة بأن أوصى بالطلب من الدول العربية والاتحاد الأوروبي للضغط على إسرائيل. ويبدو الأمر أكثر من هزليّ، إذ يبدو أنّ القوى الفلسطينية اعتادت أن تطالب الغير بخوض المعارك التي علينا أن نخوضها. لقد كان الأجدى لهذه القوى التي تطالب الدول بالضغط على إسرائيل لتسهيل الانتخابات في القدس أن تطالب هذه الدول أن تضمن إجراء انتخابات المجلس الوطني في بلدانها بدل أن تذهب الفصائل للاتفاق على آلية استكمال المجلس الوطني بالتوافق والتي بالضرورة ستشرعن التقاسم والمحاصصة.
ثالثاً: المماثلة بين انتخابات البلديات في عام 1976 وانتخابات أوسلو 2021 دفاعاً عن الاندلاق على المشاركة غير صحيح ابتداء لأنّ الفرق شاسع بين انتخابات بلدية وانتخابات ستنتج سلطة ذات صلاحيات سياسية. ورغم ذلك يبقى في الأمر طرافة، فقد كانت انتخابات العام 1976 معركة حقيقية ضد الاحتلال الذي أراد بحسب مشروع شمعون بيرس في حينه خلق قيادة بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية، أمّا اليوم فإنّ موضوع المعركة إذا كانت منظمة التحرير الفلسطينية نفسها تعترف بإسرائيل، وتقرّ لها بالسيادة والأمن على أكثر من 78% من فلسطين، وتستثني أكثر من نصف شعبنا من ممارسة حقه في الاقتراع والترشح؟!
عقم الاعتقاد بأنّ الانتخابات فرصة للتغيير:
بمنهجية تجريبية وانتقائية بعيدة عن المنهج الجدلي، ينحو البعض إلى التشديد على أنّ الانتخابات تشكل فرصة للتغيير. والتغيير بحسبهم سياسي، بمعنى مغادرة أوسلو واستعادة ألق الحركة الوطنية، وأيضا حمائي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية،[16] وتغيير بنيوي، إذ يرى البعض أنّ انتظام دورات الانتخابات سيؤدي إلى إحداث خرق ما،[17] لم يقل لنا أصحاب نظرية مغادرة أوسلو عبر الانخراط فيها كيف يمكنهم تغيير الاتفاقيات السياسية المبرمة. هل بإمكانهم، إذا أرادوا، أن يلغوا الاعتراف بإسرائيل، ويوقفوا التنسيق الأمني، ويبنوا في المنطقة “ج” بلا تصريح مثلاً؟ ماذا سيحلّ بهم في اليوم التالي إذا قرروا أن يخوضوا التحدي؟ هل ستحميهم حصانتهم الدبلوماسية أو حصانة العضوية في المجلس التشريعي أو الوطني من بطش إسرائيل؟ الأصح، أن يجيبنا أصحاب المنهجين التجريبي والانتقائي لماذا لا يمكن سحب الاعتراف، ووقف التنسيق، والتصرف في المنطقة “ج” إلا من خلال أوسلو وانتخاباتها؟ والأجدى في حالتنا، إنْ كان هذا اليسار فعلاً يرى أنّ المرحلة مرحلة تحرر وطني، أن يعود إلى ممارسة التكتيكات والوسائل النضالية المناسبة بدل التشبث بتكتيك انتخابات تداول سلطة الإدارية الذاتية.
لم يقل لنا أصحاب نظرية حماية المستضعفين وجزء منهم وزراء يتكررون في حكومات متعاقبة كيف سيحمون طبقة المستضعفين في ظل نظام السوق الحرّ- المقرر بموجب اتفاقية باريس، والمثبت في القانون الأساسي؟ كيف لهم أن يتحرروا من خارطة المال التي فرضتها أوسلو والمتمثلة في: أموال المقاصة والمنح خصوصاً من الدول الاستعمارية الغربية ودول التطبيع في الخليج؟ هل يتوقع هؤلاء أنّ اسرائيل ستواصل تسليمهم المقاصة لإعادة توزيعها بعد أن يكونوا قد قرروا مغادرة أوسلو؟ هل يتوقعون أنّ مجتمع المانحين الغربي والخليجي سيواصل دعم سلطة ثورية أو حتى وطنية ترفض اوسلو؟ إنّ الهدف الذي يجعل الاتحاد الأوروبي يموّل انتخابات تشارك فيها خمس قوى مصنفة إرهابية من قبل الاتحاد الأوروبي نفسه، هو نفسه السبب الذي يجعلنا نجزم أنها انتخابات مصممة لشرعنة وتعميم أوسلو. وهو نفسه الذي يفسر عدم جدوى اعتراض الجبهة الشعبية على رسالة القيادة إلى الإدارة الأميركية التي تؤكد عبرها التزامها بحل الدولتين، والتي أرسلت في اليوم التالي لتأكيد الجبهة الشعبية على مشاركتها في الانتخابات. يبدو أنّ اليسار يصرّ أن يتناسى دائماً مبدأ: “قل ما تشاء وأنا أفعل ما أشاء” هذا المبدأ الذي ما زال يعكس جوهر الوحدة الوطنية كما طبقها – ولا يزال- نهج التسوية المهيمن خلال أكثر من خمسين عاماً.
بدلاً من تسويغ وشرعنة أوسلو، على هذا اليسار أن يراجع ليبراليته المفرطة، ويجيب على السؤال: هل عليه لكي يغادر أوسلو، ويستعيد ألق النضال، وينصف الناس التي سلبت حقوقها وقمعت حرياتها أن ينخرط في أوسلو؟ على هذا اليسار أن يدرك أنّ مجرد الدخول في انتخابات أوسلو سيصبح ملزماً بها (بحكم الواقع والقانون) شاء ذلك أمْ أبى. فالشرعية في مرحلة التحرر الوطني تكتسب بالنضال لا بالانتخابات، تماماً كما أنّ النضال والتحرر لا يكون باستئذان المستعمر فإنّ التخلص من أوسلو ونتائجه الكارثية لا يكون بالانخراط فيها أو باتباع أدواتها والتي صممت لاحتواء مقاومة شعبنا وتطويع قواه.
[1] الفصائل الفلسطينية تختتم الحوار الوطني وتؤكد التزامها بالجدول الزمني للانتخابات، نص البيان الختامي لحوار القاهرة، شبكة فلسطين الاخبارية، متوفر على: http://pnn.ps/news/569968
[2] طلال عوكل، الانتخابات الفلسطينية بين الشك واليقين، مدونات، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، متوفر على: https://www.palestine-studies.org/ar/node/1650939
[3] انظر مداخلة غازي حمد، ورشة الانتخابات الفلسطينية اشكالياتها وجدواها، الملتقى الفلسطيني، متوفر على:الرئيسية
[4] انظر: مداخلة باسم الزبيدي، ورشة الانتخابات الفلسطينية اشكالياتها وجدواها، الملتقى الفلسطيني، متوفر على: https://www.palestineforum.net، وايضا: احمد جعفر، أول انتخابات منذ 15 عاما… هل تستقبل السلطة الفلسطينية بايدن برئيس جديد؟ الحرة، متوفر على موقعها بتاريخ 2021/01/17.
[5] انظر بيان الحراك الوطني الديمقراطي، تقدير موقف، آخر مشاهدة يوم 8 شباط 2021، متوفر على: https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=100545178723578&id=100491262062303&__tn__=K-R
[6] انظر: بيان سياسي صادر عن للجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، 21 شباط 2021، على: https://pflp.ps
[7] انظر: الانتخابات يجب أن تكون مقدمة لإصلاح شامل وجذري و خطوة لوضع استراتيجية وطنية جديدة لمنظمة التحرير، موقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: https://pflp.psK ، 14 شباط 2021. وايضا على نفس الموقع انظر: الشعبية تسعى لتشكيل قطب شعبي ديموقراطي يقوم على انقاض اوسلو، 24 شباط 2021.
[8] البطش للميادين: لن نشارك في الانتخابات ولكن لن نعطلها، مقابلة يوم 12 شباط 2021، متوفر على موقع الميادين:
https://www.almayadeen.net/news/politics/
[9] انظر: بيان المسار البديل: نحو مقاطعة انتخابات شرعنة المستعمر الصهيوني وسلطة اوسلو، متوفر على موقع المسار البديل:
[10] انظر مداخلة د. ممدوح العكر، ورشة الانتخابات الفلسطينية اشكالياتها وجدواها، موقع الملتقى الفلسطيني، متوفر على: https://www.palestineforum.net، وايضا بيان الحراك الوطني الديمقراطي، مصدر سابق.
[11] انظر الاتفاق الانتقالي بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة لعام 1995(معروف بأوسلو 2) وبروتوكول الانتخابات الملحق به.
بعض نصوص ملحق الانتخابات أدخلت حرفيا لتصبح موادّا ضمن قانون الانتخابات الفلسطيني لعام ٢٠٠٧ (انظر مثلا نص المادة ٢٩).
[12] انظر: جلسة نقاش حول الانتخابات، مركز بيسان للبحوث والانماء، متوفر على
وايضا المداخلات والمشاركات في ورشة الانتخابات الفلسطينية اشكالياتها وجدواها، مصدر سابق.
[13] للمزيد حول عناصر تكوين الدولة والقيمة القانونية للاعتراف بها، وتحقق تقرير المصير فعليا انظر معاهدة مونتيفيديو بشأن حقوق وواجبات الدول لعام 1933. متوفر على: https://avalon.law.yale.edu/20th_century/intam03.asp
[14] الانتخابات ستجري في القدس رغما عن اسرائيل، وطن، انظر: https://www.wattan.net/ar/news/331856.html
[15] انظر برتوكول الانتخابات الملحق باتفاقية اوسلو 2، مصدر سابق.
[16] انظر حوار القاهرة: الاتفاق على اجراء انتخابات تشريعية فلسطينية، استضافة نائب الأمين العام للجبهة الديموقراطية فهد سليمان، المجدلاني الامين العام لجبهة النضال الفلسطيني، وخالد البطش القيادي في حركة الجهاد الاسلامي. مقابلتان على الميادين بعيد انتهاء حوار القاهرة)، ومقابلة مع بسام الصالحي على الميادين ايضا.
[17] (انظر: الانتخابات وفرص التغيير… هل تتوفر الجرأة على المبادرة؟ هاني المصري، مسارات، متوفر على:
https://www.masarat.ps/article/5641/الانتخابات-وفرص-التغيير–هل-تتوفر-الجرأة-على-المبادرة؟
وايضا: ندوة الملتقى الفلسطيني، وجلسة حوار مركز بيسان، مصادر سابقة.