موقفنا: حول الصراعات في الوطن العربي وفهمنا لمعسكر المقاومة

ملاحظات عامة:

أولاً: محددات الموقف مما يجري في الوطن العربي ومن الفاعلين المعنيين والمتدخلين:

 

منذ الحملة الاستعمارية على فلسطين، لم تدخر قوى الاستعمار والرجعية العربية جهداً لفك ارتباط الشعوب العربية بفلسطين، لخدمة الهدف الأكبر وهو إحكام السيطرة الاستعمارية على فلسطين والمنطقة، والتي كان أولى حلقاتها تسهيل استعمار فلسطين وتمكين الصهاينة فيها، وبعدها هدفت لحماية الكيان الصهيوني وإضعاف الفعل العربي الرسمي والشعبي، وصولاً لاتفاقيات “السلام” بدءاً من كامب ديفيد ومسار مدريد – أوسلو ووادي عربة وغيرها التي تركز الهدف منها على شرعنة الوجود الاستعماري وتطبيعه، كما هدف هذا المشروع لإقامة تناقض وهمي ما بين مصلحة وحقوق الشعوب العربية من جهة والتزاماتها حيال فلسطين من جهة ثانية خلال ما أسمته الولايات المتحدة الامريكية الفوضى الخلاّقة، ووصل مؤخراً إلى حد تصوير أن خلاص الشعوب العربية من الفقر والقهر والتخلف رهن بتنصلها من فلسطين وانخراطها في التطبيع مع الكيان الصهيوني.

هذه الحملات شوهت الوعي العربي – القومي، ولم يستهدف العلاقة مع فلسطين أو مكانتها وحدها، بل يطال مفهوم الأمة والقومية والوحدة العربية حتى بأبسط صورتها والعلاقة مع المنظومات الحاكمة في الأقطار العربية، والعلاقة مع الدول الاستعمارية بما فيها الكيان الصهيوني، والعلاقة مع حركات وأحزاب التحرر الوطنية والعالمية. وعليه تم توظيف دعاوي الدفاع عن حقوق الإنسان والأقليات والحريات والقيم الديمقراطية ومكافحة الفساد وغيرها في خدمة إحكام السيطرة الاستعمارية الغربية على المنطقة من أجل حماية الكيان وشرعنته وفرض التطبيع معه. وهذا يفسر إلى حد بعيد ما يمكن تسميته تشوش الموقف من الانتفاضات والصراعات والنزاعات في الوطن العربي. هذا التشوش انحرف لتجاوز عدم وضوح الموقف ووصل في بعض الأحيان الى تبني مواقف تتعارض في جوهرها مع الانتماء القومي والفكر التحرري، دفع  أحياناً الى دعم بعض الدول والاحزاب والافراد لقوى إجرامية كما في حالات دعم المجموعات التكفيرية لمجرد انها تحارب “النظام”، او تأييد هذا البعض الاعتداءات الخارجية كما في حالة ليبيا مثلاً، واستدعاء الاعتداءات الخارجية كما في حالة العراق وسوريا، أو التغاضي عن قيام دول بالعدوان على شعوب عربية بأيدٍ عربية كما في حالة اليمن. ولذلك يصبح مشروعاً، بل واجبًا التساؤل عن مُحددات الموقف مما يجري في المنطقة العربية، ومن الفاعلين- سواء كانوا فاعلين أصليين او فاعلين بالوكالة، وسواء كانوا دولا او مجموعات.

ثانياً/ فهمنا لمعسكر المقاومة في المنطقة:

إن القول بوجود “معسكر عربي مقاوِم” لا ينفي ولا يلغي الخُصوصيّة والتعدّدية الوطنية المحلّية ولا يصادرها أو يذوّبها بقدر ما يؤكّدها في إطارها العروبي، وينطلق منها أولاً كنموذجٍ بديلٍ واقعيٍ وثوري ديمقراطي يقدّمه للأمّة ويكفل انطلاق القوّة الكامِنة فيها ويجمع التيارات الرئيسة فيها، القومية واليسارية والإسلامية والليبرالية وكل تقاطعاتها في مشروع نهضوي تنويري يمنح الطبقات الشعبية العربية أملاً في عالمٍ بديل يستحقّ التضحية من أجله.

إن هذا المشروع الثوري العروبي لا يحقّقه مؤتمر في بيروت أو لقاء في طهران أو دمشق أو مهرجان في غزّة وبيان ختامي ثمّ كفى الله المؤمنين شرّ القتال! بل يحقّقه الشروع في حوار استراتيجي صريح وربما مؤلم في بعض جوانبه، ويلازمه برنامج عمل للتنفيذ تشارك فيه القواعد الشعبية المناضلة لقوى المقاومة وجموع المثقفين والمُبدعين العرب، ويتقدّمه جيش طليعي يُترجم الأقوال إلى أفعال في الطريق الى هزيمة “هولاكو العصر” وتحرير فلسطين

المطلوب اليوم من معسكر المقاومة العربية على اختلاف تياراته الشعبية وألوانه ومدارسه الفكريّة والسيّاسية هو الشروع في حوار استراتيجي مفتوح يتجاوز التقليديّ واليوميّ والتكتيكي إلى تحديد رؤية نضاليّة عربية مشتركة تُمّهد الطريق نحو طراز أرقى في مواجهة قوى الإستعمار والكيّان الصهيونيّ وأذنابهما في المنطقة والإقليم، رؤية مُتكاملة الأركان تُشكل أرضيّة صلبة ومشتركة ومُلزمة لجميع الأحزاب والقوى والتيارات والشخصيات المشاركة في هذا الحوار المُرتجى والمطلوب. رؤية قابلة للتطور والمزيد من الفهم والعمق كلما تراكمت التجربة في ميادين الصراع والواقع. فما نريده من معسكر المقاومة أن يكون طليعة متقدمة في مواجهة القوى الإمبريالية والصهيونية والرجعية، وهذا هو الشرط الحقيقي لقيام المشروع النهضوي العربي.

إن التطوّرات الميّدانيّة والسياسيّة المُتسارِعة على جبهة فلسطين، لبنان، العراق، سوريا، اليمن ، وما جرى من نكبات وهزائم وما تحقّق في السنوات الأخيرة من صمودٍ وانتصاراتٍ في مواجهة “معسكر داعش”، كلها تدفع نحو ولادة جبهة المقاومة العربية الموحّدة بوصفها خشبة الخلاص الجماعي الوحيدة، وتعزيز العمل القومي الشعبيّ الذي يشمل الإعلامي والسياسيّ والمالي والجماهيري والعسكريّ والاجتماعي، ويتبنّى “الحّل التّاريخي” للصرّاع العربي ــ الصهيوني والمُتمثّل في تفكيك وإزالة الكيان الصهيوني العنصري الإستعماري وتصفيته..

إن تحرير فلسطين هو الشرط اللازم لتحرير إرادة الأمّة وتحرير الوطن العربي الكبير وطرد الغُزاة وقهر الاستعمار والاحتلال وهو الشرط اللازم في تغيير المنطقة والإقليم، وتحقيق نهضة عربية تضمن للأمّة دخولًا مُتجدّداً مرّة أخرى في صناعة التّاريخ واللحاق بالعصر الحديث.

معسكر المقاومة العربية الذي يقاتل اليوم في مواجهة الإمبريالية والصهيونية والرّجعية يحتضن نظرياً القوى الشعبية، ويدعو الأمّة إلى الوحدة ونبذ الخلافات والحروب وتجاوز الصراعات المذهبية والطائفية، غير انه يعاني هو من هذه الظواهر والأمراض كلّها. وعلى عاتقه مسؤولية تاريخية في ترجمة الشعارات إلى برامج عملٍ داخلية ويُشكّل بديلاً تاريخياً للنظام الرّسمي القائم. يجب الاعتراف أن هذا المعسكر لا يزال يفتقر إلى الرؤية الإستراتيجيّة السياسيّة والتنظيميّة على حدٍ سواء.

أوليس من حق طلائع وقوى الأمّة العربية أن تسعى إلى جبهة تحرّر تستعيد جوهر حركة التحرّر العربية لإنجاز الإستقلال الوطني والسيادة الوطنية / القومية وممارسة الأمة حقها في تقرير المصير؟ نُردّد ليلاً نهاراً “هذه معركة واحدة ونحن في مواجهة عدو واحد” إذن أين هي أدواتنا ورؤيتنا المشتركة الواحدة؟

كما تؤكّد التجربة التاريخيّة التي عايشتها وتُدركها شعوب الأمّة أكثر من أحزابها أن النظام العربي الرّسمي يتفكّك وينهار. لقد فشلت “الدول العربية” في تحقيق التنوير والتنمية كما فشلت على جبهة العدالة الاجتماعية والديمقراطية، وظلّ هذا النظام (القديم) يتهاوى ويتراجع أمام تقدّم الكيان الصهيوني (الجديد)، ولم تعرف الأمّة على يد “الجامعة العربية” إلا الهزيمة في كل “المواجهات” و”الحروب” التي “خاضتها” على مدار سنوات الصراع العربي الصهيوني منذ ثمانية عقود على الأقل، برغم الاستثناء الذي لم يكتمل في حرب أكتوبر عام 1973 ورأينا نتائجه لاحقاً.

وتؤكّد الحقيقة التاريخية ذاتها، على الجانب الآخر النقيض، نجاح وتقدّم قوى المقاومة الشعبية والمُسلّحة في الصمود وكبح جماح الكيان الصهيوني وتعطيل مشاريع كبرى مُعادية. إن التكامل في الدور بين قواعد وقوى المقاومة الشعبية من جهة وبين إرادة الجيوش الوطنية التي تحرّر قرارها سيكفل تحقّق الصمود والنصر، منذ معركة ” الكرامة ” في مارس / آذار 1968 في الأردن مُروراً بانتصارات المقاومة اللبنانية في أكثر من محطة، وصولاً إلى هزيمة ” داعش ” وأخواتها وانكفاء مشروع أنظمة الرّجعيات النفطية التي شاركت، كأداة مأجورة، في تنفيذ المخطّط الإستعماري وفي تدمير ليبيا والعراق وسوريا واليمن وغيرها.

إن السؤال المركزيّ الذي ينطلق منه الحوار الإستراتيجي المُفترض هو البحث في ماهية معسكر المقاومة العربية القادر على مواجهة الإستعمار الأجنبي والعدّو الصهيوني من جهة، والتعايش والتجاور والحوار في إطار مشروع عربي تحرّري من جهةٍ أخرى.

بعبارة أدق: البحث في المعسكر الشعبي العربي البديل الذي يصون التعدّدية السياسية والفكرية والدينية ويبشّر الأمّة بولادة نهضة عربية على أنقاض نظام عربي فاسد وتابع جاء من خارج المشروعية الشعّبية والثوريّة والدستوريّة، وجوهره تقسيم الوطن العربي منذ اتفاقيات “سايكس بيكو” وصولاً إلى “معاهدات السلام” التي لا تعدو كونها الإسم الرديف للهزائم العربية الرّسمية المُتلاحقة من كامب ديفيد الى وادي عربة وأوسلو وصولاً الى مشاريع التطبيع وغيرها من مظاهر الهزيمة!

معسكر المقاومة الذي تكون هويته عربية وهدفه تحرير فلسطين عليه أن يتجاوز حدود “التضامن” مع الشعب الفلسطيني إلى اعتبار فلسطين قضيته المركزية قولاً وعملاً. هذا يعني الإنتقال من حيّز وشعارات “الدعم” و”الإسناد” إلى حيّز المشاركة الفعلية والمبادرة.

عشرات آلاف الشباب العربي المُضَلَل والمُغيّب ذهب للقتال في المعركة الخطأ، اليوم يجب دعوة الشباب العربي مُجدّداً إلى القتال في الميدان الصحيح وإلى قيادة هذا المشروع التحرّري كله، فهذه مسؤولية قوى المقاومة أولاً وعاشراً تجديد هياكلها وتمكين قواعدها بالوعي والبوصلة والسلاح والهدف الذي يشير إلى القدس.

المحددات هي:

    1. وجوب المحافظة على وحدة اراضي الدول/الاقطار العربية، ووحدة شعوبها. وشعارنا هنا لا لتجزئة المجزأ.
    2. للشعوب العربية الحق في تقرير مصيرها بحرية تامّة ودون تدخل خارجيّ في إطار الحفاظ على وحدة النسيج الوطني الداخلي بغض النظر عن الدين واللغة والعرق. والحق في تقرير المصير مكفول بشقيه: حق الشعوب في الاستقلال وبناء نظامها السياسي السيادي الديمقراطي جنبًا الى جنب مع حقّها في التحكم والانتفاع بمقدراتها ومواردها الاقتصاديّة دون هيمنة خارجيّة. وشعارنا هنا: حق تقرير المصير في إطار دولة المواطنة التي تكفل الحقوق لجميع المواطنين بدون استثناء.
    3. رفض التدخلات الاجنبية المباشرة وغير المباشرة وإدانتها، ومقاومة الهيمنة الاستعمارية و/او الاعتداءات على أي بلد عربي. وشعارنا هنا: لا للهيمنة للاستعمارية.
    4. للشعوب العربية الحق في النضال، والثورة على الأنظمة الرجعية المستبدة لنيل حريتها وحقوقها الطبيعية ولتحقيق الديمقراطية والتعددية والقضاء على الفساد وتحقيق النماء. وشعارنا هنا: الحق في الثورة حق مقدس لكل الشعوب.
    5. للأقليات العرقية والدينية والاثنية في الوطن العربي الحق في نيل كامل الحريات والمساواة وعدم التمييز ضدها في اطار دولة تكفل حقوق المواطنين/ات كافة.
    6. مواجهة تكبيل الحريات العامة والحرمان والانتقاص من حقوق الانسان وتقييد المواطنة والمشاركة السياسية دون تمييز في الدول العربية يتعارض مع هدف تحرير فلسطين، والعكس صحيح فالمزيد من الحريات والحقوق يسهم في تقصير عمر الاستعمار الصهيوني. وشعارنا هنا: لا يصنع التّحرر الا الأحرار.
    7. معيار وتقدير أية حركة تحرر او ثورة شعبية أو موقف أي حكومة ودولة هو موقفها من حقوق الشعب الفلسطيني كاملة غير منقوصة ودعمها الفعلي وغير المشروط لنضاله ضد الكيان الصهيوني. وشعارنا هنا: وحدة جبهة الاحرار في مواجهة الاستعمار.
      وهنا نؤكد وقوفنا ودعمنا لكافة حركات المقاومة في المنطقة من دول وأحزاب في اليمن وفلسطين وسورية والعراق ولبنان، ونؤكد وقوفنا الى جانبهم في مواجهتهم المستمرة ضد مشروع الهيمنة الامبريالية على المنطقة وشعارنا الناظم هنا : ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة .
    8. وجوب انسجام تحالفات حركة التحرر مع مبادئ وأهداف واسلوب ووسائل التحرر. وشعارنا هنا: التحرر وليس استبدال الاستبداد بالاستبداد.

بالاستناد الى هذه المبادئ والمحددات يمكن تقدير الموقف من الصراعات الدائرة في المنطقة، والأطراف المتدخلين على اختلافهم. وعليه، لا يمكن الحكم بتحررية القوى الارهابية المدعومة من الغرب الاستعماري وممالك وإمارات الخليج العربي التي التقطت لحظة انتفاض الشعوب على الحكومات المستبدة لنيل حقوقها المشروعة للعمل على تدمير الدول العربية واستنزاف مقدراتها. ففي مقابل الاقرار بمشروعية الحق فيه الثورة على استبداد الحكومات، واللا-ديمقراطية، والفساد، واللاعدالة، والفقر، لا يجوز إغفال واجبات المحافظة على وحدة الارض، والشعب، وعدم الارتهان الى قوى الاستعمار والرجعية، وعدم تشريع التطبيع والتنازل عن فلسطين للصهيونية.

لماذا نحن بأمس الحاجة الآن إلى إبراز هذه المحددات؟

إن إعادة التأكيد على هذه المحددات يشكّل أساس تقدير علاقة ما يجري في المنطقة بمشروع إعادة انتاج الهيمنة الاستعمارية؛ هذا المشروع الذي لا يخفي اصحابه أسبابه واهدافه. فعدم الاستقرار يحدّ من التفات شعوب عربية الى المزيد من الحقوق والحريات. واستنزاف المقدرات والمصادر يعيق تحقيق المزيد من الاستقلال الوطني والاعتماد على الذات والتنمية الوطنية، ويحقق بالتالي دوام التبعية والهيمنة، والمزيد من التقسيم والشرذمة. إن زرع النعرات المذهبية والطائفية يعني مزيدا من الضعف العربي، والاهم يسوّغ مشروع الدولة اليهودية حتى في عيون “الغرب الديموقراطي” رغم كل ما فيه من عنصرية وتعارض مع قيم الديمقراطية الغربية ذاتها. وعليه، فان إدامة إشعال المنطقة واستنزافها على هذا النحو وما يتصل بذلك من إعادة رسم المنطقة، وتوظيف ما تتمتع به من تنوع لإدامة التجزئة وتجزئة المجزأ، وإدامة حالة عدم الاستقرار، يعدم فرص النهوض والتطور ناهيك عن التحرر في شقيه الوطنيّ والاجتماعيّ.

 

إتصل/ي بنا من خلال تعبئة الاستمارة أدناه