خريستو المر, الثلاثاء 27 حزيران 2023
دعا «المسار الفلسطينيّ الثوري البديل» و«حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان» إلى ندوة حول كتاب «الفلسطينيّون والتحرّر: موقف مسيحيّ» (للكاتب، عن دار الآداب، 2022) مساء الجمعة 23 حزيران 2023، حيث شارك إلى جانب الدكتور شوقي عطيّة، والدكتور نقولا أبو مراد، والأستاذ رياض صوما، القسّ الدكتور متري الراهب رئيس «جامعة دار الكلمة» في بيت لحم وأحد مؤسّسي نداء الكنائس الفلسطينيّة لمقاومة الاحتلال المعروف بـ«كايروس فلسطين».
عندما جلس القسّ د. متري الراهب على ذلك المقعد خارج مبنى في الحيّ الأرمنيّ في القدس المحتلّة ليدلي بكلمته التي عبّر في نهايتها عن رجائه بأن نلتقي معاً في القدس عند تحريرها لنحتفل بالقيامة والفرح، ربّما لم يكن يتوقّع أنّ صهيونيّاً أميركيّاً سيقف إلى جانبه طوال الوقت وهو يحاول مضايقته كلاميّاً، بينما تابع القسّ راهب بإصرار ووضوح حديثه عن تحرير فلسطين. نحن الحاضرين في قاعة جريدة «السفير» حيث كان يلقي القسّ متري كلمته عبر شبكة الإنترنت لم نسمع الشاب الصهيونيّ ولم نشعر بشيءٍ. مَن لم يعِشْ تحت احتلال يسهو أحياناً عن هذا الجوّ العدائيّ الذي يحاصر حياة الفلسطينيّين وينكر عليهم حقّهم بالعيش بحرّية وكرامة على أرضهم. هذا الجوّ العدائيّ قليلٌ من كثيرٍ من الاعتداءات اليوميّة على نفوس الفلسطينيّات والفلسطينيّين وأجسادهم التي يقوم بها جنود ومستوطنو الاحتلال، من خلال التحكّم بتفاصيل حياتهم، من تنقّل وزواج وإقامة وإرث وبناء وزرع وحصول على ماء وتمدّد عمرانيّ وعشرات الأمور الأخرى اليوميّة البسيطة. وما لا نشعر به بشكل مستمرّ، نحن الذين لا نقيم في فلسطين، هو القتل الإجراميّ اليوميّ الذي يرتكبه الاحتلال بحقّ الفلسطينيين.
أمّا في لبنان، هذا البلد الذي يعامل اللاجئين الفلسطينيّين بشكل لاإنسانيّ، فمَن لم يدخل المخيّمات الفلسطينيّة لا يشعر بضيق المساحة التي يحتشد داخلها الفلسطينيّون، ولا بضيق الأماكن المخصّصة ليلعب الأطفال، ولا بضيق الموارد المتوفّرة للتعليم والدعم الدراسيّ، ولا بضيق الأفق الذي يلوح دائماً في مستقبل كلّ فلسطينيّة وفلسطينيّ والذي تفرضه القوانين اللاإنسانيّة التي تمنعهم من المساهمة في المجتمع من خلال العمل، ومن الحياة بكرامة على هذه الأرض. أيّ فكر هذا الذي تفتّق بهذه القوانين؟ أيّ فكر هذا الذي حَلِم بقتل بطيء لشعب كامل مهجّر من وطنه فزاد من بؤسه وقهره بمنعه من تغيير مصير التهميش والتفقير والتجهيل؟
أوضاع الذين يعيشون في المخيّمات الفلسطينيّة عارٌ على الشعب اللبنانيّ، على الأحزاب اللبنانيّة، على الكنائس اللبنانيّة، على المساجد اللبنانيّة، على الطوائف اللبنانيّة، على النوّاب اللبنانيّين، على التوازن التافه المجرم بين الطوائف، تلك التي تشعر بالتهميش وتلك التي تستقوي، وكلا الطرفين كان في مرحلة أو أخرى في موقع قوّة سياسيّة أو عسكريّة. هذا العار لن تمحوه العظات ولا الخطب الرنّانة، بل يمحوه تغيير القوانين، وهذا لن يقوم إلّا بالضغط لتغييرها، والابتكار الشعبيّ لاستغلال ثغراتها. قد يكون الفلسطينيّون يخشون المطالبة بحقوقهم الطبيعيّة بصوت عالٍ نظراً إلى تاريخ الحرب الأهليّة والحساسيّة المفرطة تجاههم والتي سبّبت، كما يبدو، حساسيّة مفرطة لديهم تمنعهم من رفع صوتهم في المجتمع اللبنانيّ للمطالبة بتحقيق أدنى حقوقهم. ما نتمنّاه هو أن يتواصلوا مع شبكة من المجموعات المتعاضدة للتفكّر في كيفيّة تغيير أوضاعهم القانونيّة في لبنان للسماح لهم بالعمل، وبترميم بيوتهم، وغير ذلك ممّا مُنعوا عنه بقوانين لا إنسانيّة. أمّا على صعيد تحسين الأوضاع، فيتساءل الإنسان إن كان بإمكان الجامعات الفلسطينية في الداخل الفلسطينيّ من المساهمة في وضع خطط تعليميّة عمليّة للمخيّمات في لبنان، فالتعليم أساس الخروج نحو مستقبل أفضل.
مَن يعرف فلسطينيّي لبنان يعرف الكمّ الكبير من الأسى لانسداد الأفق الذي يحياه أناسٌ في ريعان شبابهم، لكنّ انسداد الأفق هذا يأتي نتيجة قرار وليس نتيجة أحداث طبيعيّة. من جديد يشعر الإنسان بكراهية لهذا النظام اللبنانيّ الوحشيّ. تفكيك هذا النظام نصفُ فِعل خير، النصفُ الآخر يكون بإرساء دعائم نظام عادل للجميع، ليس فقط لجميع اللبنانيّين وإنّما لجميع المقيمين على أرض لبنان. هذا وحده عدلٌ وحياة وسلام اجتماعيّ. الظلم إن تنامى يولّد الخراب في لحظة لا يتوقّعها أحد. يبقى الرجاء في العمل الشعبيّ والتعاضد الإنسانيّ.
* كاتب وأستاذ جامعي