- جوهر مشروع حركة المسار البديل، استعادة دور الشتات في النضال بكل أشكاله
- لا يمكن بناء وحدة وطنية مع أدوات الاحتلال، ولا يجوز منحها الشرعية،
- تثمّن حركتنا دور قوى المقاومة الإسلامية ودفاعها عن كرامة وحقوق شعبنا
- فصائل المقاومة تستمد شرعيتها من فعل التحرر وليس من خلال علاقتها بـ”منظمة التحرير”
- نضال شعبنا مستمر حتى تحقيق العودة والتحرير
مقابلة شاملة مع زيد عبد الناصر
تتصاعد نار المقاومة الفلسطينية في عموم الأرض المحتلة، وتواصل الجماهير الفلسطينية خوض معركة يومية في مواجهة الكيان الصهيوني وسياسته الإستعمارية وقطعان المستوطنين على امتداد فلسطين من النهر إلى البحر، وبخاصة في قرى ومدن ومخيمات الضفة والقدس.
ومع ارتفاع مستوى الاشتباك في مواجهة العدو الصهيوني تتعاظم مسؤوليات شعبنا في الشتات، وتستعد “حركة المسار الثوري البديل” إلى عقد مؤتمرها الدوري وتنظيم فعاليات ذكرى تأسيسها الثانية بين 19- 22 أكتوبر تشرين الأول، في وقت تعلو فيه وتيرة القمع والسياسات العنصرية التي تمارسها العديد من الدول في أوروبا وغيرها بحق الفلسطينيين وأنصار المقاومة والحقوق الفلسطينية في الخارج.
حملنا حزمة من الأسئلة إلى عضو الهيئة التنفيذية في حركة المسار الثوري البديل ومنسق شبكة صامدون في ألمانيا، زيد عبد الناصر. وأجرينا معه هذا اللقاء.
مضى نحو سنتان على تأسيس “حركة المسار الفلسطيني الثوري البديل” وتستعدون في هذه الفترة إلى عقد مؤتمركم الدوري في مدينة تولوز الفرنسية. ما هو تقييمكم لدور الحركة خلال الفترة الماضية؟
جواب:
خلال العامين السابقين تطورت حركتنا بشكل ملحوظ في قارتيّ أوروبا وأمريكا الشمالية، ومؤخراً بدأنا التواصل مع بعض المناطق في قارة أمريكا اللاتينية، وأصبحت الحركة معروفة أكثر في دوائر التيارات الرئيسية، وما يسمّى بـ “حركة التضامن” في الغرب. ففي هذه الدّول، وتحديداً بعد اتفاقيات أوسلو، أصبح “العمل الفلسطيني” يقوم في الغالب على أساس المطالبة بما يسمى بـ “حل الدولتين” والتعاطي مع قضية فلسطين كقضية إنسانية بحتة. بالمقابل، تسعى حركتنا إلى تظهير وتكريس مواقف وحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والتاريخية الواضحة، وثوابتنا المدرجة في الميثاق الوطني الفلسطيني عام 1968 قبل أن يجري شطبه وتزويره على يد القيادة المتنفذة في منظمة التحرير. ومن خلال عملها الشعبي، تسعى الحركة إلى إعادة الإعتبار إلى هدف تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، والتعبير عن الدعم المطلق للمقاومة الفلسطينية، وحماية حق العودة، لذلك تعلن موقفها الواضح ضد نهج أوسلو التصفوي وسلطة التنسيق الأمني في رام الله.
العامل الأساسي الّذي يسمح لحركة مثل حركتنا، لم تكمل عامها الثاني بعد، بالقيام بهذا الدّور السياسي المتعاظم، هو حالة التخلي والفراغ الموجودة في الشتات، والّتي خلّفتها منظّمة التحرير بعد المشاركة في مؤتمر مدريد 1991 وتوقيع اتفاق أوسلو الكارثي عام 1993، تلك الخطوة الّتي تمثلت بالتخلي الكامل عن حقوق شعبنا وخاصة في الشتات الفلسطيني وطعن نضالاته، وإقصاؤه ومصادرة دوره الطبيعي، وتجريده من جميع أدواته التنظيمية والنضالية.
وتسعى حركة المسار الثوري البديل إلى توفير منابر ومساحات جديدة لأبناء وبنات شعبنا للمشاركة الحقيقية في النضال على أسس تُمثّل تطلعاتهم ومبادئهم، مما سمح لحركتنا بالتقدم بشكل سريع، ومكّنها من بناء علاقات مع العديد من حركات التحرر والقوى الّتي كانت تبحث عن صوت فلسطيني في الشتات يكون ملتزماً وجاداً بمشروعه في سبيل التحرير والعودة، هذا الدور الّذي لن تقوم به سفارات السلطة ومنظّمات الـNGOs .
ندرك أن الطريق أمامنا طويل وشاق، يتطلب تقوية أنفسنا تنظيمياً وشعبياً وتوسيع رقعة عملنا ومدى تأثيره وتحسين قدرتنا على الوصول لتجمعات شعبنا وتوفير مساحات نضالية يمكن من خلالها توظيف قدرات وطاقات شعبنا الهائلة والكامنة في مشروع التحرير والعودة. باختصار، حركة المسار بمشروعها الثوري البديل والمتصاعد مستمرة حتّى تحرير فلسطين من نهرها لبحرها، وتسعى لأن تكون أداةً ثورية في قبضة شعبنا يستطيع بها ومن خلالها المشاركة وممارسة دوره الطبيعي في النضال.
ما هي أبرز التحديات التي تواجهكم في ألمانيا خصوصاً، وأوروبا عموماً؟ وكيف يمكن رفع مستوى المواجهة ضد الحركة الصهيونية في أوروبا؟
جواب:
نحن جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني. ومن الطبيعي أن يحاربنا كيان الاحتلال الصهيوني، في فلسطين وفي كل مكان وبشتى الطرق، إذ تم تصنيف “شبكة صامدون للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين” كمنظّمة إرهابية في فبراير( شباط) عام 2021 من قبل وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس. وفي فرنسا أعلن “إيمانويل ماكرون” عزمه حل “رابطة فلسطين ستنتصر” التي تعتبر أحد المنظمات الأساسية التي شاركت في إطلاق حركة المسار الثوري البديل.
في إسبانيا يواجه رفاقنا محاكمات بعد تصديهم للحركة الصهيونية وسفيرة الكيان في مدريد، كذلك الأمر في هولندا وسويسرا وبلجيكا وكندا وأمريكا وغيرها، نحن نواجه بشكل مستمر دعوات التجريم وإلغاء النشاطات وحملات الشيطنة الإعلامية التي تستهدف الحركة ومنظماتها وتستهدف كوادرها وتشهّر بهم.
أمّا في ألمانيا، فإن هناك مستوى عالٍ من التناغم بين منظمات الحركة الصهيونية وسفارة العدو والإعلام الألماني وأجهزة الدولة كافة، وقد نجحوا من خلاله بحظر مظاهرات ذكرى النكبة عامي 2022 و2023، وحظر مظاهرات ذكرى يوم الأسير الفلسطيني عام 2023، وصعّدوا مؤخراً من إجراءاتهم وبدؤوا بالتضييق على كوادرنا وسحب إقاماتهم بذريعة عضويتهم في حركة المسار الفلسطيني الثوري البديل. ومن الجدير بالذكر أن برلين أصبحت عاصمةً للشتات الفلسطيني في أوروبا خصوصاً بعد موجة اللجوء على إثر الحرب في سوريا. ما يفسّر حالة الاستنفار لدى الدولة والمؤسسات الصهيونية والخوف من مشاركة هذه الجموع من أبناء شعبنا في العملية النضالية.
استطاعت “صامدون” في ألمانيا وهي تحمل برنامج حركة المسار الثوري البديل من خلق حالة شعبية في المناطق ذات الوجود العربي، وتنظيم مظاهرات شارك فيها الآلاف من أبناء وبنات شعبنا والمتضامنين مع قضيتنا، رافعين صوتهم من أجل تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، ومعبّرين عن دعمهم الكامل للمقاومة الفلسطينية. وعليه، فإن استهدافنا هو استهداف منهجي لهذه الحالة الشعبية أولاً والخوف من قدرتها على التطور وتشكيل ثقل شعبي في ألمانيا – معقل الحركة الصهيونية في أوروبا.
لماذا هذا الهجوم الصهيوني واستهدافكم بالتحديد؟
الهجوم على الحركة ومنظماتها وكوادرها، إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على أن أعداء الشعب الفلسطيني يشعرون بخطورة حركة المسار الثوري البديل على مصالحهم، فمشروع الحركة قادر على التطور والنمو السريع وتهديد الحركة الصهيونية ومصالحها في هذه الدول، ويدركون أن جماهير الشتات الفلسطيني، إذا استعادت دورها، فإنها قادرة على التأثير بمجريات المعركة مع العدو وداعميه، هذه الحقيقة بقدر ما يدركها سفراء الكيان الصهيوني، باتت تدركها أيضاً قوى المقاومة الفلسطينية. وهذا في رأينا إنجاز للحركة.
أمّا عن رفع مستوى المواجهة مع الصهاينة، فإن الحركة الصهيونية تسعى بشكل دائم لمحاربة أي عمل فلسطيني وعلى جميع الصُعُد وبمختلف أشكاله، سواء كان عملاً شعبياً ثورياً أو صوتاً ليبرالياً، فلا وجود لعمل يدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني في الغرب إلا ويُحارب بقدر ما. غير أن درجة العداء ترتفع بارتفاع سقف الخطاب وجديّة المشروع. وبالتالي فإن التزامنا بمواقفنا ومواصلة بناء مشروعنا الثوري والجذري يؤدّي بشكل طبيعي لارتفاع مستوى المواجهة مع منظمات الحركة الصهيونية، هذه المواجهة مرشحة للتصاعد بطبيعة الحال مع تطور الحركة وقدراتها.
في الوقت الراهن، لا نزال في مرحلة الدفاع، نتلقى الهجمات ونردّ عليها بالثبات على مواقفنا ومواصلة عملنا واستثمار هذا الاستهداف ضدنا في بناء التحالفات الاستراتيجية مع القوى المحلية الثورية والتقدمية كما رأينا في فرنسا وألمانيا وإسبانيا وكندا. على المدى الطويل وبعد وصولنا لمرحلة الامتداد الشعبي، سنكون قادرين على استهداف الحركة الصهيونية شعبياً وسياسياً وإقصائها من الحيّز العام. فالعدو الصهيوني لا يوجد فقط في فلسطين التاريخية، بل إن أذرعه تمتد لتصل هذه البلدان، وبتر هذه الأذرع هو إضعافٌ حقيقي للعدو في فلسطين وللحركة الصهيونية ككل.
تتبنى حركة المسار الثوري البديل موقفاً سلبياً من الانتخابات في الضفة والقطاع، ومن الجهود التي تبذلها السلطة والفصائل الفلسطينية لتحقيق المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية. أمام حالة التفكك والتيه التي تعيشها الحركة الوطنية (وما يطلق عليه البعض الإنقسام) ما هي رؤيتكم لتحقيق الوحدة الوطنية في السّاحة الفلسطينية؟
جواب:
نحن في حركة المسار نعبّر عن الموقف الشعبي الفلسطيني والعربي الّذي يرى في “التنسيق الأمني” مع الاحتلال واعتقال المقاومين والاعتداء على جنازات الشهداء ومحاولة إنهاء الحالة النضالية في الضفة والتضييق على غزة المحاصرة والتخلّي عن اللاجئين، جرائم وخيانة وطنية تُقصي السلطة من المربّع الوطني.
لا يمكن بناء وحدة وطنية مع أدوات الاحتلال، ولا يجوز منحها الشرعية، ونرى الشرعية الحقيقية مجسّدة في مواقف شعبنا وتضحياته التي تُعبّر عن نفسها يومياً بشكل طبيعي، وعبر احتضان خطّ المقاومة في كل مكان، وهنا يهمنا أن نؤكّد على أنّ فصائل المقاومة تستمد شرعيتها من فعل التحرر والمقاومة ذاتها، وليس من خلال علاقتها بمنظمة التحرير أو بمشاركتها في انتخابات وهمية تحت حراب الاحتلال أو الدخول في هياكل السلطة الفلسطينية ورواسب اتفاقية الاستسلام في أوسلو. هذه الانتخابات تزيّف الإرادة الشعبية ولا تعبر عن الشعب الفلسطيني في مخيمات اللجوء والشتات أو في فلسطين المحتلة عام 1948. ونودّ هنا التأكيد على أهمية موقف حركة الجهاد الإسلامي المبدئي من رفضها المشاركة في انتخابات أوسلو، ما يعزز ثقة شعبنا في الداخل والخارج بخطها النضالي ويحمي الحركة من الانزلاق إلى مربعات لا تليق بتنظيم ثوري.
إننا نرى أنّ “الوحدة الوطنية” هي وحدة كل شعبنا وفصائل مقاومته والمنظمات الشعبية حول مشروع التحرير والعودة. وقد دعت حركة المسار البديل، منذ اليوم الأول لتأسيسها، كل فصائل المقاومة إلى بناء “الجبهة الوطنية العريضة” الّتي تمثّل آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني وتستمد شرعيتها منه مباشرة، تماماً كما استمد الفدائيون الأوائل شرعيتهم عبر نضالاتهم وتضحياتهم والدفاع عن شعبهم. هذه الوحدة الوطنية الميدانية والشعبية ستكون وحدةً صلبة لا مكان فيها للمواقف المتخاذلة ولا المناطق الرمادية، ولا يجري فيها تغول طرف على مناضلي الطرف الآخر خدمةً للاحتلال. هذه الرؤية هي المخرج الوحيد من الحالة المزرية التي صنعها “التمثيل الرسمي الفلسطيني” وهي التي ستعيد زراعة الأمل في نفوس أبناء شعبنا. ونرى أن هذا الشكل من الوحدة الوطنية يعبّر عن الجوهر الحقيقي الذي يمكنه جمع فصائل المقاومة والمنظمات الشعبية بخبراتها وتاريخها النضالي وامتدادها الشعبي ومؤسساتها، والقادر على استنهاض وإنعاش الوضع الفلسطيني المترهّل وخلق المزيد من المساحات الّتي يستطيع من خلالها شعبنا في فلسطين والشتات المشاركة الفعلية في النضال من أجل تحرير فلسطين.
البعض يرى أن دور المسار الثوري البديل يقتصر على بعض المناطق في الشتات، كما أن نشاطكم الجماهيري والسياسي لا يزال تحت سقف “العمل التضامني” هل توافق على هذا التقييم؟
جواب
هذا التقييم صحيحٌ في شطره الأول. فقد استطاعت الحركة الوصول إلى بعض المناطق في الشتات، وتحديداً في أمريكا الشمالية وأوروبا، وتمارس الحركة بشكل أساسي دوراً سياسياً في هذه البلدان. لكن عملنا يختلف عن “العمل التضامني” بشكل جذري لأننا لا نتعاطى مع القضية الفلسطينية من منطلق أننا “متضامنون” مع فلسطين، فلا يكفي أن نكون فقط سنداً لشعبنا في فلسطين التاريخية، بل نحن جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني وحركته التحررية، ولدينا من القدرات الكامنة ما يؤهلنا لممارسة دور حقيقي وفاعل في النضال من أجل تحرير أنفسنا من قيود اللجوء والمشاركة في تحرير بلادنا من العدو الصهيوني.
هذا هو جوهر مشروع حركة المسار البديل، استعادة دور الشتات في النضال بكل أشكاله، بدءاً من تكريس مواقفنا السياسية ونشر الوعي الثوري وبناء الثقة مع جماهير شعبنا في الشتات، إلى بناء المؤسسات والأدوات التنظيمية التي تسمح لهم بممارسة حقهم وواجبهم، وهو دورهم الطبيعي والطليعي، إلى استثمار طاقاتهم في سبيل التحرير والعودة، ومواجهة الحركة الصهيونية والالتحام مع نضال شعبنا في فلسطين ومقاومته المجيدة، وبهذا فقط سيشهد النضال الفلسطيني قفزةً نوعية في الشتات تقرّب شعبنا أكثر من موعد التحرير والعودة.
بالمقارنة مع انطلاقتنا في أكتوبر 2021 وبرغم إمكاناتنا البسيطة جداً، أحرزنا تقدماً على صعيد رفع سقف الموقف السياسي وتقوية المؤسسات المشاركة في الحركة، وكذلك رفع مستوى المواجهة مع الحركة الصهيونية. هذا لا يُلغي حقيقة أنّنا لا زلنا في مرحلة الولادة، مرحلة الحشد والتعبئة والبناء الداخلي. وهذه دعوةٌ لأبناء شعبنا في الشتات إلى المشاركة في بناء هذه الحركة وإلى استعادة دورهم في النضال من أجل تحرير أنفسهم ووطنهم فلسطين.
بعد أقل من شهر يكون قد مضى 30 عاماً على توقيع “إتفاق أوسلو” و 29 عاماً على تأسيس السلطة الفلسطينية في الضفّة وقطاع غزّة. كيف ترى دور الشباب الفلسطيني في المنافي والمهاجر؟ وهل يمكن تجاوز قيود ومرحلة أوسلو؟ وكيف؟
جواب:
أكرر هنا ما قلته سابقاً. فقد جرى تهميش الشتات الفلسطيني بشكل كامل بعد اتفاقيات أوسلو ومصادرة دوره بعد أن كان مركزياً في الثورة الفلسطينية. هذا الوضع الكارثي أدّى لأن يشعر شعبنا في الشتات بالعجز والقهر أمام العدوان المستمر على مقدساتنا وأرضنا وشعبنا، وخاصةً بعد أن فقد أدواته وأغلقوا المساحات التي يمكنه من خلالها ممارسة دوره الطبيعي في النضال من أجل قضيته. كما أدّى هذا الحال على مدار الثلاثة عقود المنصرمة إلى انتشار ثقافة “الخلاص الفردي”، والتماهي مع سياسات بعض هذه الدّول الغربية، وظهور ما يسميه البعض بـ”صراع الهوية” حين يتعلق الأمر بمن ولدوا في هذه البلدان.
حل هذه المعضلات والتصدي للتحديات هو الحل ذاته الّذي طرحه ميثاقنا الوطني عام 1968، فالفلسطيني لا يمارس هويته الوطنية إلا عبر النضال من أجل قضيته العادلة وحقوق شعبه.
وفي هذا الوقت، وبعد كارثة أوسلو وتجارب الخذلان، أصبح من الواجب البدء بتنظيم الشتات لنفسه على أسس نضالية تعبّر عن آماله وتطلعاته، واستعادة جهوزيته للتضحية، والاستعداد للتخلي عن بعض الامتيازات في سبيل أهدافنا الكبرى، والتي لا تقارن بالتضحيات التي يبذلها شعبنا في فلسطين كل يوم في سبيل قضيتنا وكرامتنا.
من المؤسف طبعاً أن المؤسسات الشعبية التي شيدها شعبنا في الشتات بالدماء والتضحيات جرى هدمها بالكامل، لكن هذا الشعب قادرٌ على إعادة بناءها وإعادة الاعتبار لدوره المركزي في حركة التحرر الوطنية كما فعل طوال العقود الماضية، حيث جدد نفسه بعد كل نكسة وهزيمة ليعود أقوى وأصلب.
أمّا عن دورنا في حركة المسار، فإننا نرى أنّ الخطوة الأولى هي تجذير الوعي الثوري في أماكن تواجدنا، وتتمثل بتثبيت المواقف السياسية الّتي تعتبرها هذه الدول مواقف “غير مقبولة” والثبات عليها مهما كانت حالة القمع. هذه المواجهة مع الحركة الصهيونية تكرّس حركتنا ومواقفنا في الشارع، وتوسّع حضورنا في الشتات. وهذه الحالة يُبنى عليها، وتستطيع بالنضال والعمل المراكمة على هذه التجربة والوصول إلى الامتداد الشعبي القادر على تحمّل مسؤوليته التاريخية.
دعوتم أنصاركم أكثر من مرّة إلى المشاركة في المسيرة الشعبية السنوية أمام سجن “لانميزان” الفرنسي لتحرير المناضل العربي اللبناني الأسير جورج عبد الله. البعض يرى أنّ مثل هذه التحركات الشعبية والتضامنية فشلت في الضغط على الحكومة الفرنسية لإطلاق سراح عبد الله، فهو كما تعلم معتقل منذ 1984 ومضى على وجوده في السجن أكثر من 40 عاماً. هل لديكم رؤية أو مقاربة مختلفة حول تشكيل ضغط أكبر على فرنسا من أجل تحريره؟
جواب:
هذه المظاهرات الشعبية جزءٌ من حملة متكاملة يزيد عمرها عن الـ 15 عاماً شارك المناضل جورج عبد الله في بناءها بشكل فعلي من خلال ثباته وصموده أولاً، وحواراته مع رفاقنا الذين واظبوا على زيارته في الأسر أيضاً.
وهذه الحملة المستمرة تتضمّن أشكالاً متعددة، من المظاهرات والوقفات والندوات، والتعريف بقضية فلسطين وجورج عبد الله، وصولاً إلى إنتاج وعرض فيلم “فدائيين” (والذي عرض نحو 200 مرة في أكثر من 25 دولة) والتنسيق مع الحملة الوطنية لتحرير جورج عبد الله في لبنان، والدور النضالي الهام الذي تلعبه عائلة جورج.
نجحت هذه القوى والفعاليات بتشكيل حالة شعبية دفعت سفيرة لبنان في فرنسا ورؤساء لأحزاب يسارية فرنسية لزيارته في السجن، وفرض حالة اصطفاف في البرلمان بين مؤيدين لتحريره ومعارضين. إنها أحد أهم الحملات الدولية للتعريف بقضية الأسرى ونضالهم، وانبثقت بفعلها العشرات من المنظمات المطالبة بتحريره في جميع أنحاء فرنسا، وجعلت قضيته على أجندة العديد من المنظمات اليسارية في أوروبا بشكل عام وفرنسا بشكل خاص. هذا العمل الشعبي قادرٌ مع الوقت على الدفع نحو تحريره عندما يصبح ثمن بقاء جورج في الأسر أعلى عند الدّولة الفرنسية من ثمن إطلاق سراحه.
نحن في شبكة صامدون للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين نعي أن الطريقة المباشرة، والأضمن، والأسرع لتحرير الأسرى هي عبر المقاومة المسلحة، كما رأينا مراراً وتكراراً في عمليات التبادل التي جرت خلال العقود المنصرمة والتي نجحت المقاومة الفلسطينية واللبنانية بفرضها بالقوة على العدو، أما الدور الأساسي للعمل الشعبي فإنّه يساعد على نشر الوعي بقضية الأسرى وإبراز مركزيتها وخلق الحالة الّتي يشعر الناس فيها أنّهم معنيّون بنضالات أسرانا وبتحررهم وتوفير الالتفاف الشعبي حول نهج المقاومة. وفي نفس الوقت، فإن دفاعنا عن الأسرى هو دفاعٌ عن القضية التي ناضلوا ولا زالوا يناضلون من أجلها في كل يوم وكل ساعة، وهي نضالات وتضحيات نعتزّ بها.
حركات المقاومة الرئيسية في لبنان وفلسطين والمنطقة العربية تمثل القوى الإسلامية ذات الحضور الشعبي الواسع، مثل “حماس” و ” الجهاد الإسلامي” وغيرها، فيما نرى حالة من التراجع، إلى درجة الغياب، للقوى اليسارية والقومية والليبرالية، كيف تصنفون حركتكم فكرياً وسياسياً؟ وكيف تنظرون إلى قوى المقاومة ذات المرجعيات الدينية؟
جواب:
ارتباط الشعب الفلسطيني بالمقاومة الفلسطينية هو ارتباطٌ عضوي رأيناه على مر التاريخ. فعندما كانت الجبهة الشعبية وحركة فتح تقودان المقاومة المسلحة كتنظيمات رئيسية، غلب الطابع الوطني واليساري على توجهات الحركة الوطنية الفلسطينية ومزاج شعبنا في جميع أماكن وجوده. وقبل ذلك، في أوج الحقبة الناصرية غلب الطابع القومي العربي وشعارات “الوحدة والاشتراكية والحرية”، واليوم تقود الحركات الإسلامية كالجهاد وحماس المقاومة في الضفة وغزة ضد العدو الصهيوني. ومن الطبيعي أن يكونوا في الصدارة وفي قلوب الأمة العربية والإسلامية.
حركة المسار الثوري البديل تعي منذ انطلاقتها الدور المركزي لهذه الحركات الجهادية المناضلة وتحترم التضحيات التي بذلتها لحماية حقوق وقضية شعبنا، وخلق حالةٍ شعبية عصيةٍ على الكسر في أصعب أماكن التنظيم الفلسطيني في العالم – فلسطين التاريخية – ومع وجود الاحتلال الصهيوني والسلطة كأداة أمنية في قبضة العدو. كما تثمّن حركتنا دور المقاومة الإسلامية الطليعي في التصدي لاعتداءات العدو الصهيوني على شعبنا ومقدساتنا، ودفاعها عن كرامة وحقوق شعبنا في كافة أماكن تواجده، ومواصلتها لمسيرة الكفاح الوطني التحرري والذي لم يتوقف منذ احتلال الإنجليز لبلادنا حتّى اليوم.
نحن في حركة المسار نرى أن دورنا مُكمّلٌ للمقاومة في فلسطين، فدورنا هو توفير الالتفاف الشعبي حول نهج وصوت المقاومة وحمله إلى الشتات، وتمكين جماهير شعبنا في المنافي والشتات من بناء أدواتها لتصبح قادرة على المشاركة في النضال وهزيمة العدو الصهيوني في الخارج أيضاً. فالعلاقة بين مختلف مكونات شعبنا في الوطن والشّتات هي علاقة تكاملية في وجه تناقضنا الرئيسي ضد الاحتلال والحركة الصهيونية.
أمّا أيدولوجياً، فإن حركة المسار تبنّت عند انطلاقتها مجموعة من الأسس النضالية العامة، وما ورد في الميثاق الوطني الفلسطيني عام 1968، الّذي عبّر عن تطلعات الشعب الفلسطيني بكافّة توجهاته. في نفس الوقت، معظم كوادر الحركة جاءت من تجارب يسارية، ومنظماتنا تقدمية تستند في تحليلها على فكر وإرث اليسار الثوري الفلسطيني والعربي، لهذا، فإن الحركة بدأت بشكل طبيعي تكتسب طابعاً يسارياً ثورياً في تحليلها ولغتها وجوّها العام. هذا التّوجه سمح لنا بالوصول إلى معظم القوى المتضامنة مع فلسطين في الغرب وهي في غالب الأمر قوى يسارية، وفي نفس الوقت، وفّر استنادنا على الميثاق الوطني وأسسنا النضالية الجامعة المساحة لأبناء شعبنا من مختلف المشارب الفكرية للمشاركة في هذا المشروع. فكادر المسار متنوّع، يجمع بين الشتات الفلسطيني من معظم مخيمات اللجوء والضفة وغزة والقدس والأراضي المحتلّة عام 1948، ومن مختلف الخلفيات الفصائلية والطبقية والفكرية، مع رفاقنا العرب والأمميين الّذين يقودون أنجح تجارب العمل الفلسطيني في الغرب ويمارسون دوراً مركزياً في هياكل الحركة وفي بناءها.
هذا التمازج والتعددية من جهة، والحوار الخلاق بين مختلف التجارب والأجيال المجتمعة على أسسٍ نضاليةٍ ثورية من جهة أخرى، أصبح يشكّل قاعدة صلبة للتطور ومصدر القوة الرئيسي لحركة المسار الفلسطيني الثوري البديل.