وداعًا زياد الرحباني
(1956 – 2025)
يرحل زياد الرحباني في زمن الإبادة، ويسدل الستارة عن فصلٍ كاملٍ من الحلم.
رحلَ مَن ظلّ يُغرّد خارج سرب المهزومين؛ من لم يطلب التصفيق، ولم يسعَ إلى النجومية. كان دائمًا هناك، خلف متراسه في الهامش الثوريّ، حيث لا مكان للزيف ولا للمهادنة. كان ولا يزال حاضرًا على مدار الساعة: في البيوت، والشوارع، والمقاهي، والمسارح، والمدارس، والمصانع. أينما اتجهتَ، وجدته أمامك: في سيارة أجرة، في أزقة المخيمات. وكان مسرحه صرخة تمرّد، وموسيقاه، وطنًا للحيارى، والمقهورين، والمنفيين.
إنّنا في حركة المسار الثوري البديل لا ننظر إلى زياد الرحباني باعتباره مجرّد موسيقي أو كاتب أو ممثل؛ بل كان الرفيق زياد فيلسوف الشعب وصوته الحقيقي، وحالةً فريدة عصيّة على التصنيف، تُحاكي الوجع الشعبي، وتسخر من الطغاة، وتقاوم بالحقيقة والجمال.
في زمن الاحتلال كتب نشيد الأرض، وفي زمن الهزيمة غنّى للثورة و”المعترين”، وقال “جاي النصر وجاي الحرية”. وظلّ يسير عكس المرحلة، يمقت السائدَ التقليدي في الفكر والفن، ويتجدّد مع كل عمل فنيّ، ومع كل قول وموقف في السياسة، دون أن يفقد البوصلة. غير أنّ عزاءنا هو أن أمثال زياد الرحباني لا يرحلون. هذا الإنسان “العجيب” سيظلّ فنه غصّة في حلوق القتلة، ولحنًا عذبًا في وجدان الناس العاديين.
زياد الرحباني، يا رفيق، أنتَ من القلائل الذين عاشوا وماتوا واقفين.
للسيدة فيروز، و”للشعب العنيد”، لرفاقه، ومحبّيه، لفلسطين ولبنان… خالص المحبة والعزاء.