السفن الحربية الإمبريالية في طريقها لإنقاذ الاستعمار الاستيطاني
د. جوزيف مسعد
في اليوم الثاني من الحرب بين المقاومة الفلسطينية والمستعمرين الإسرائيليين، أمر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن حاملة الطائرات الأميركية يو. إس. إس. جيرالد ر. فورد، الأكثر تطوراً في الترسانة الأميركية، بالإبحار إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لدعم نظام الفصل العنصري والاستعمار-الاستيطاني الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.
تضمّ حاملة الطائرات فورد صواريخ موجّهة وأربع مدمرات محملة بصواريخ موجّهة. وسترسل الولايات المتحدة أيضاً سفينة يو. إس. إس. نورماندي، وهي طرّاد صاروخي موجّه مسلّح بمدافع بحريّة، ومدمّرات يو. إس. إس. توماس هودنر، ويو. إس. إس. راماج، ويو. إس. إس. كارني، ويو. إس. إس. روزفلت. وأضاف أوستن أن الولايات المتحدة تعمل على تعزيز تجهيزات الطائرات المقاتلة من طراز ف-35 الأكثر تطوراً في العالم، إلى جانب أسراب الطائرات المقاتلة من طراز ف-15، وف-16، وأ 10 المتواجدة في المنطقة. ومن المرجّح أن أوستن هنا إنما يشير إلى أسراب المقاتلات المتمركزة في القواعد العسكرية الأميركية في الدول العربية المجاورة، بما في ذلك الأردن والبحرين وقطر والسعودية. ورغم أن هذا قد لا يكون أكثر من استعراض للقوة، إلا أنه إذا اختارت الولايات المتحدة استخدام قاذفاتها ضد الفلسطينيين، فمن غير المرجّح أن تعترض الأنظمة العربية أو تستطيع أن تعترض على ذلك، حتى لو أرادت. وأضاف أوستن أن إدارة بايدن «ستزوّد جيش الدفاع الإسرائيلي بسرعة بمعدّات وموارد إضافية، بما في ذلك الذخائر. وستبدأ المساعدات الأمنية الأولى بالتحرّك اليوم وستصل خلال الأيام المقبلة».
وفي الواقع، فإنّ وسائل الإعلام الأميركية التي تناصر الدعم الأميركي القوي لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي كانت واضحة وبلا خجل منذ اللحظة التي قامت فيها المقاومة الفلسطينية بالرد على جرائم إسرائيل—عبر النفاق المعتاد والتعاطف العنصري مع ضحايا الحرب اليهود الإسرائيليين والصمت على الضحايا الفلسطينيين. وشأنه شأن كيسنجر، تعهّد أنتوني بلينكن في اليوم الأوّل من الحرب «بتعزيز أمن إسرائيل». وشدّد على «دعم الولايات المتحدة الثابت لحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها». إنّ هذه الحملة الغربيّة المناهضة للفلسطينيين، والتي تنضمّ إليها ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، لدعم المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية، تسير على قدم وساق الآن كما سارت منذ عام 1948، ملتزمة بالقدر نفسه ومن دون تردّد بهزيمة الشعب الفلسطيني صاحب الأرض المقاوم للاستعمار. فقد أعلن الألمان لقادة إسرائيل العنصريين اليهود أن برلين تقف «إلى جانبكم». وردّدت فرنسا المشاعر نفسها مؤكّدة «أننا نقف إلى جانب إسرائيل والإسرائيليين»، في حين أعلن البريطانيون أن المملكة المتحدة «تدعم إسرائيل».
وليس من قبيل الصدفة أن تكون هذه البلدان إمّا مستعمرات استيطانية بحد ذاتها، كما الولايات المتحدة، أو دولاً استعمارية كانت قد أنشأت مستعمرات استيطانية عنصرية للبيض – امتدت من ناميبيا، وتنجانيقا، وروديسيا، وجنوب أفريقيا، إلى الجزائر، وتونس، وكينيا، على سبيل المثال لا الحصر – والتي دافعت عن المستوطنين البيض وأنظمتهم العنصرية باستخدام أكبر قدر من العنف من تسعينيات القرن التاسع عشر وحتى ثمانينيات القرن العشرين عندما دحرتهم مقاومة السكّان الأصليين في النهاية. وحتى لا ينخدع أحد بطبيعة إسرائيل الموغلة بالفوقيّة العنصرية، فقد وصف يوآف غالانت الفلسطينيين في اليوم الثالث من الحرب بأنهم «حيوانات بشريّة». وبما أنّ إسرائيل هي آخر مستعمرة استيطانية في آسيا وأفريقيا لا تزال تحكمها قوانين ومؤسّسات عنصرية، فإنّ الغرب ينظر إلى بقائها على أنه موطئ القدم الأخير لأوروبا والولايات المتحدة لدعم العنصرية والاستعمار الاستيطاني خارج حدودهما ولأجل استهداف جحافل البرابرة من غير الأوروبيين الذين يصرّون على مقاومة الحكم الاستعماري والإطاحة به. وفي حين أنّ التهديد بالتدخّل العسكري الغربي لدعم إسرائيل قد يكون لأغراض دعائية، إلا أنّ المشاعر العنصريّة التي تقف خلفه هي مشاعر حقيقية تماماً وتعبّر عمّا يختلج في قلوب الغرب الأبيض. وهذا الاصطفاف الغربي إنما يهدف إلى الحيلولة دون تحقيق الشعب الفلسطيني لحرّيته مهما كان الثمن. ولكنّ الحقيقة التي تجلّت في الأيام القليلة الماضية هي أن سعي الفلسطينيين إلى الحرّية ومقاومة القمع الاستعماري لا يمكن إيقافه.
نقلاً عن “الأخبار اللبنانية” 10 تشرين الأول 2023/ أستاذ السياسة وتاريخ الفكر العربي الحديث في جامعة كولومبيا في نيويورك