النظام الأردني والسلطة الفلسطينية: حربٌ مستمرّة على المقاومة
خالد بركات
مع كل عملية أمنيّة تقوم عليها أجهزة النظام في الأردن «ضد الإرهاب» تطفو إلى السطح أبواق السلطة إذ تعثُر على فرصتها في تجديد الولاء ونشر الكذب والهرطقة، والهجوم، بالطبع، على المقاومة وشيطنة معسكرها الشعبي والمسلح في فلسطين ولبنان والمنطقة.
وتتذكّر، عن قصد، «أحداث السبعين» من القرن الماضي (الحرب على المقاومة في الأردن)، تستحضرها وتهجم على الجميع، هكذا من دون مقدّمات، تستخدمها فزّاعة وتكأة وذريعة لتبرير القمع ومنع التظاهر وتجريم قوى المقاومة، وبالمرة تلميع نفسها أمام دوائر العدوّ في واشنطن وتل أبيب ولندن وباريس. هكذا تكرّس السلطة في الأردن منطقها الأعوج باسم «درع الوطن»، وهكذا تشنّ السلطة الفلسطينية في رام الله هجومها على المقاومة تحت شعار «حماية وطن»!
لا يحتاج الأمر إلى عمليات فدائية حتى يغضب عليك أزلام النظام ويشنّوا حربهم على المقاومة. كل «محافظ عاصمة» جاء إلى مدينة عمّان في السنوات الأخيرة أصدر فرماناً يمنع بموجبه إقامة مهرجان شعبي لتأبين الشهيد أبو علي مصطفى الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي اغتاله العدوّ الصهيوني في 27 آب 2001، حدث ذلك أكثر من مرة. أمّا موقف السلطة في «الداخل» وما قامت به أجهزتها في رام الله، فهذه قصّة معروفة.
تزعق أبواق النظام وتُصدّع رؤوسنا في الحديث عن «الأمن» و«الاستقرار» و«الدولة الأردنية» وترفع سبابتها في وجه طلائع الشعب الأردني، وتطلق شعارات خاوية يمضغها مثقف السلطان ضد «الجماعات الإيرانية» كمن يمضغ الهواء على الهواء. فزّاعات لم تعُد تخيف أو تنطلي على أحد. فالشعب الأردني، والجيل الجديد على نحو خاص، يدرك طبيعة الدور الوظيفي للنظام في عمّان وموقعه في الإستراتيجية الأميركية والغربية. لقد شاهد كل مسرحياته وأفلامه المحروقة.
ولا يحتاج شعبنا في الأردن وفلسطين إلى من يدلّه على عمق العلاقة التاريخية بينهما؛ هذا شعب واحد، يربطه مصير واحد، ويدرك أكثر من غيره دور النظام الأردني وطبقات مأجورة تعمل في خدمة المشروع الاستعماري وحماية مستعمرات كيان العدوّ الصهيوني و«حدوده».
إنّ أصوات المدافعين عن «العرش الهاشمي» واتفاقيات «أوسلو – وادي عربة» تحتلّ منابر الإعلام الهجين بعد الإعلان عن «تفكيك خلايا الإرهاب في عمّان». تتسابق في الدفاع عن الطبقة الحاكمة في مواجهة المقاومة وحاضنتها الشعبية. تلهث في فضائيات النفط وتهاجم إيران وحزب الله وأنصار الله، وكأن هذه الأطراف، وليس الصهاينة، هي العدوّ الرجيم. هكذا تستنفر شرائح ذيلية ربطت مصيرها بالنفط والمعونات الخارجية، موزعة بين شرقي النهر وغربه، لا أحد سواها يثير ما تسميه هي بـ«النعرات الطائفية والعشائرية»! ولا أحد مثلها يُثير الفتن والعصبيات بين أبناء الشعب الواحد.
يريد النظام في الأردن أن يُبقي على امتيازه في القدس باسم «الوصاية الهاشمية على المقدسات»! كذبة كبيرة أمام واقع يصرخ بالحقائق الباردة عن أحوال المدينة المقدسة والمحتلة، التي تعاني الموت والذل على مدار الساعة تحت الاحتلال، غير أن النظام، مثل السلطة في رام الله، لا يرى في القدس ولا في المذبحة اليومية في غزة، مسألة تستأهل قطع علاقاته مع الكيان الصهيوني.
ولا يريد تحمّل مسؤوليته التاريخية والسياسية عن ضياع القدس والبلاد عام 1948 و1967. في الوقت عينه، يصادر الأمن حق المواطن في القتال من أجل القدس، وحقه في الحرية والانتصار لغزة، وحقه في الصراخ ضد ممارسات بن غفير وقطيعه، يستكثر عليه رفض الذبح اليومي وما يقوم به العدوّ من تهويد وتهجير وهدم للبيوت وتدنيس يومي للمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
وقّع النظام الأردني اتفاقية وادي عربة 1994، مُستنداً إلى ذريعة تقول «الفلسطينيون سبقونا إلى اتفاقية أوسلو» (أيلول سبتمبر 1993) هذا حال النظام العربي الرسمي الذي يستهدف المقاومة ويشيطنها ثم يهرول إلى التطبيع ورضى واشنطن. يتكئ على «مصر كامب ديفيد» ويبرّر مواقفه بالتحالف مع سلطة عاجزة في عمّان ورام الله، فهذا المثلث الرجعي شق الطريق أمام الخليج والمغرب والسودان نحو التطبيع، بل والتحالف مع الكيان الصهيوني باسم النبي إبراهيم، حتى وصلنا اليوم إلى هذا الحشد من الأنظمة والكيانات في الجامعة العربية، حيث يتَسانَد الركام والحطام في صورة وقاعة واحدة.
إنّ الشركات والبنوك الأردنية – الفلسطينية المشتركة، تتقاسمها حزمة من السماسرة وكبار التجار من شرقي النهر وغربه برعاية أميركية-خليجية-صهيونية. وهذه، كما قلنا، طبقة واحدة، يجمعها الدولار والمصلحة المشتركة منذ زمن «المقاطعات» بالرعاية البريطانية وصولاً للشرائح المرتبطة بالاستعمار والاحتلال والنفط. إنها جزء لا يتجزأ من معسكر استعماري لم يغادر منطقتنا ساعة واحدة، له قواعد عسكرية في الأردن والعراق وسوريا والخليج وغيرها، وأسس مستعمرة مدججة بالسلاح النووي وتذبح شعب غزة على مرأى ومسمع العالم دون رادع.
لم يعُد من بقايا سيادة وطنية على امتداد وطننا العربي باستثناء الجيوب الضيقة المحاصرة التي يتواجد فيها سلاح المقاومة. هذا السلاح مطلوب رأسه الآن. ولذلك يكثر الحديث عن «نزع السلاح» و«تسليم السلاح» و«السلطة الواحدة»! الأمر ليس مصادفة كما يعرف القارئ العزيز، بل جاء نتيجة هذا التعاون والتنسيق اليومي بين أطراف ترعاها أميركا وتلتقي دورياً لـ«التشاور» في فنادق العقبة!
من الطبيعي، إذاً، أن نرى مشهداً مغايراً ونقيضاً من التكاتف والتضامن بين الطبقات الشعبية في فلسطين والأردن، حيث الأكثرية المسحوقة في غزة وجنين وعمّان والكرك والخليل، حاضنة المقاومة وصاحبة المصلحة الحقيقية في الوحدة والتغيير والتحرير. فإذا ثارت وانتصرت للمقاومة، أو حاولت صنع السلاح، أو تهريبه إلى الأرض المحتلة، صارت في عين النظام الأردني وسلطة أوسلو «عصابات» خارجة على القانون، تستحق السجن والمطاردة والرجم!
نقلاً عن الأخبار اللبنانية
رابط المقال: https://www.al-akhbar.com/832454