في 28 تشرين الثاني/نوفمبر، نظّم المسار الفلسطيني الثوري البديل فعالية في مكتبة “ترافيكانتس دي سوينيّوس” في مدريد لعرض كتاب غسّان كنفاني حول الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939، وهو نصّ أساسي لفهم الجذور التاريخية للحركة الثورية الفلسطينية واستمرار مشروع التحرير الوطني منذ قرنٍ كامل. افتتحت الفعالية خالدية أبو بكرة، عضوة اللجنة التنفيذية في المسار البديل و حركة نساء فلسطين الكرامة، وبمشاركة رفيقات ورفاق من شبكة صامدون، التي ساهمت في تنظيم ودعم هذا الحدث. وشدّدت أبو بكرة في كلمتها الافتتاحية على راهنية فكر كنفاني في مواجهة الإبادة الجارية، وعلى أن المعرفة جزء لا يتجزأ من أدوات المقاومة والبقاء والصمود.
بدأت الفعالية بعرض مقابلة تاريخية أجرتها الـBBC مع غسّان كنفاني، تمت ترجمتها خصيصًا للمناسبة، حيث يفكّك فيها القائد في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الخطابات الاستعمارية التي تحاول شيطنة المقاومة وتصويرها كـ”إرهاب” أو “صراع داخلي”. وقد شكّلت هذه المقابلة إطارًا سياسيًا حيًا للدخول في الكتاب الذي يقدّم دراسة عميقة للثورة الفلسطينية 1936-1939، لا بوصفها انتفاضة مسلّحة فحسب، بل بوصفها تحوّلًا جذريًا في البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للشعب الفلسطيني.
كما شهدت الفعالية تحيّة خاصة للمناضل والمفكّر العربي سماح إدريس في الذكرى الرابعة لرحيله. استحضرت خالدية أبو بكرة مسيرته النضالية ككاتب ومحرّر ومدافع شرس عن فلسطين، ودوره في قيادة مجلة “الآداب” وفي دعم الأسرى الفلسطينيين وتعزيز حملات المقاطعة، ومساهمته الفعلية في تأسيس حركة المسار البديل. وردّدت كلماته التي أصبحت وصيّة:
“إذا تخلّينا عن فلسطين، نتخلّى عن أنفسنا.”
وقد لاقت هذه العبارة صدى عميقًا بين الحاضرين، مؤكدةً أن إرث سماح إدريس جزء لا ينفصل عن مسيرة المقاومة العربية.
ثم تحدّثت ضيفتان بارزتان في الدراسات العربية والتحليل السياسي:
لـوث غوميث، الباحثة والأكاديمية المتخصّصة في الفكر العربي، قدّمت قراءة معمّقة للكتاب وتطرّقت إلى مفاهيم محورية مثل الفدائي والشهيد والصمود. وأوضحت كيف أعاد كنفاني تحليل المجتمع الفلسطيني من منظور ماركسي صارم، وبيّنت ضرورة العودة إلى عشرينيات القرن الماضي لفهم جذور النكبة، وكشفت عن دور الطبقات الإقطاعية والدينية في إجهاض الثورة، مقابل الدور المركزي للفلاحين الذين حملوا عبء المواجهة.
أمّا إيريني سوغاستي، الباحثة والصحفية، فقد تناولت أهمية السياق التاريخي في مواجهة التضليل الإعلامي ومحاولات تجريد الإبادة الجارية من بعدها السياسي. ورأت أن كتاب كنفاني أداة لا غنى عنها لفهم الحركة الفلسطينية اليوم، وأكّدت أن الحركة العالمية للتضامن مع فلسطين بلغت حجمًا يذكّر بأكبر موجات التعبئة ضد حرب فيتنام.
شهدت الفعالية نقاشات مهمة حول الوضع الراهن الفلسطيني: المقاومة في غزة والضفة، الدور القمعي للسلطة الفلسطينية، توسّع الاستيطان، التطور التكنولوجي للآلة الاستعمارية، وضرورة تعزيز الحراك الدولي لوقف الدعم الغربي للنظام الصهيوني. وأكّدت خالدية أبو بكرة أن مشروع الاحتلال يعمل على تهجير الضفة الغربية عبر العنف المنهجي الذي يمارسه الجيش والمستوطنون، وبالتواطؤ الكامل مع أجهزة السلطة الفلسطينية.
صدر كتاب كنفاني عن دار بولشي، وقد وجّه المسار البديل وشبكة صامدون شكرًا خاصًا للدار وللرفاق إيناكي خيل وخالد بركات وطاهر علي على كتابة المقدمة والخاتمة، لما يضيفونه من قراءة ثورية تعمّق فهم الكتاب وسياقه السياسي.
واختُتمت الفعالية برسالة واضحة: إن تراجع الإعلام عن تغطية الإبادة في غزة والضفة لا يعني تراجع مسؤوليتنا، بل على العكس تمامًا. على الفلسطينيين في الشتات والقوى الأممية أن يضاعفوا الجهد لقطع شرايين الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي عن الكيان الصهيوني. وكما قالت خالدية أبو بكرة:
“تحرير فلسطين يصنعه أبناؤها وبناتها من الداخل، أمّا دورنا في الخارج فهو وقف تغذية الوحش ودعم المقاومة بكل الوسائل الممكنة.”
