وثيقة هامة: من فكر غسان كنفاني

 

أفكار عن التغيير و”اللغة العمياء”

 

 مشاركة الأديب غسان كنفاني في أعمال “ندوة بيروت” آذار 1968 نشرتها مجلة “الهدف” في تموز 1988 في الذكرى العشرون على إستشهاده.

 

إضغط هنا لتحميل الملف

 

شَهِدَ هذا المنبر أساتذه أكفاء، استعرضوا جوانب مختلفة من أسباب الهزيمة وحوافزها ووسائل الإرتفاع إلى مستوى التحديات التي أطلقتها والواجبات العاجلة التي تفرضها على هذا الجانب أو ذاك من مجتمعنا.

وكل ما قيل يبرهن على شيء واحد على الأقل متفق عليه تماماً، هو أن رصد ما حدث وما يحدث وما سيحدث ينبغي أن يبدأ من جوانب مختلفة، فليس ثمّة رواية رصد واحدة. وليس ثمة خطأ واحد، والهزيمة لا يمكن إختصارها بشعار أو التنصُل منها باتهام.

إن ما يحدث على هذا المنبر يُلّخصُ ما يحدث عملياً على الأرض العربية كُلّها في أعقاب الهزة العميقة وأن الحوار يتفجر من كل جانب، وحصيلته هي الصورة، فالجوانب المختلفة لا يمكن التعبير عنها من قبل جبهة واحدة أو شخص واحد، وافضل ما نستطيع أن نفعل هو أن نستوعب كل ما يقال، آنذاك وحده هو الذي يعطي الحوار معناه وجدواه ومستقبله.

ولذلك كله لدي ملاحظة واحدة لا بد من تثبيتها قبل أن أبدأ حصتي من هذا الحوار إن الزاوية التي أتحدث عنها هي جزء من الموضوع لا تكتسب معناها- إن كان لها أيّ معنى- إلا بإضافتها إلى مجموع الأبعاد التي اشترك الزملاء على هذا المنبر في تحديدها.

ثمّة نقاط سيبدو أنني تجاهلتُها، ثمّة أسباب ربما تكون أكبر من تلك التي أشرت إليها، ثمّة وسائل تصحيح قد تكون سَبّاقة عن تلك التي أراها في سُلم الأولويات. إلا أن الصفحات التالية لا تدعي أن ذلك غير صحيح في تشكيل حلقة من سلسلة تكتسب معناها الحقيقي في ربطها إلى الحلقات الأخرى.

هناك دور القوى الخارجيّة في القصة وسبر غورها. هناك دور القوى المضادة في الداخل وقيمة لعبتها، هناك الحصيلة التي تجيء من تفاعلات القوى الإقتصادية والإجتماعية، هنالك أسلوب العمل العربي السيّاسي خلال السنوات العشر الماضية، هنالك أسباب وأمور أخرى قد لا يكون العدو قادراً على حصرها وإنكارها، بالإضافة إلى أنه غير ممكن فهو غير وارد أيضاً.

من هنا، فإن هذه المحاولة يمكن أن توصف منفردة بأنها جُزئية، فإذا وُضِعَت في مكانها من قصة هذا المنبر وأصواته الستة عشر تصبح لو شئتم مُكمِلة.

إن فترات الهزائم في تواريخ الشعوب تشهد نمواً سريعاً في الحِسّ النقدي يتطور في أحيان كثيرة نحو تيّار من النقمة والغضب، ومما لا شك فيه أن ذلك الحِسّ النقدي حتى لو اتخذ صورة النقمة والغضب، يظل ذا طاقة بناءة لا غنىً عنها.

إن قدرة الإنسان على تجاوز السقوط هي ذات قدرته على الإدانة، وطاقته على تصحيح الخطأ هي ذاتها طاقته على إكتشافه.

ولذلك فإن فترات الهزائم عند الشعوب تتخذ طابع المراجعة الصارمة والقاسيّة في نوع صمتي من عقاب الذّات غايته الأساسية التزود بقدرة إضافية على الدفاع عن النفس. إن تيّقظ الحس النقدي في فترات الهزائم يشبه تيقظ حواس الإنسان دفعة واحدة لحظة تعرضه للخطر، فهي تضاعف طاقتها على الإلتقاط لتضاعف بالتالي قدرتها على المواجهة. وذلك كله، بلا ريب، يشكل ظاهرة بناءة لا بد منها ولا غنى عنها طالما أن الحافز هو في جوهر الرّد على الخطر والتخلص من الهزيمة.

ولكن فترات الهزائم لا تشهد فقط هذا التيقظ في حس النقد والمراجعة، بل تشهد أيضاً ظاهرة أخرى شديدة الإرتباط بذلك التيقظ وهي تحاور الحس النقدي لحدوده، وتحوله إلى نوع من التنصل عن طريق المبالغة في عقاب الذات.

وهذه الظاهرة هي التي تشكل الوجه الأخطر في فترات الهزائم، وطالما إننا استعملنا مثال الإنسان الذي يواجه الخطر فتتضاعف قدرات حواسه على الالتقاط والمواجهة لوصف تيقظ الحس النقدي لحدوده يمكن أن يلخص في أنسان مماثل أفقده الخطر المحدق به شجاعة نقد هذا الحس النقدي فأضاف إلى الخطر الذي يواجهه أشباحاً من الأوهام وأفقد نفسه التقييم الحقيقي لقدراته وبالتالي تصويب هذه القدرات.

إننا بصورة ما نواجه حالياً إمتزاجاً بين الحالتين فأمام تيار من المراجعة الشجاعة نشهده هنا وهناك، يوجد تيار أخر من العويل الذي لا يرمي في نهاية المطاف الا إلى التنصل وراء ستار النقد بإسم النقد والمراجعة.

في فترات الهزائم يمارس التيار الأقل قدرة على الصمود لعبة الإنتحار، فيدخل في فوضى تقييم الأشياء والأمور والمواقف، ويرتكب أخطاء جسيمة في أدراك حجومها الحقيقية وأمكنتها في الصورة المهزومة برمتها وتلقي هذه اللعبة أرضاً خصبة للإستقبال، وسط الإنكسار الذي تعممه الهزيمة، ومن هنا يكتسب خطورته وطاقته على الهدم.

في هذه الفترات الدقيقة تكتسب مهمة الباحث دوراً أعمق مما كان لها في أي وقت مضى فهي مطالبة بالتزويد بشجاعة مضاعفة من جهة للقدرة على النقد ومن جهة أخرى للتمسك بما لا ينبغي أن يُدمَر.

والفارق بين هذين الجانبين من المهمة فارق دقيق للغاية، يكفي أن يخطو الباحث خطوة إضافية إلى جانب النقد ليسقط في فوضى التقييم، أو خطوة إضافية إلى جانب التمسك بالمعطيات التقليدية ليسقط في جمود الاستسلام لما أضحى غير مقبول.

على أن خطورة فترة الهزيمة من حيث أنها تحمل في مناخها في آن واحد بذور البناء وبذور الدمار تستلزم إدراكاً حقيقياً لما يستحق أن يُنبذ ولما يستحق أن يُدافع عنه فليس أسهل من الولاء المطلق إلا الرفض المطلق.

لقد رأى هذا الجيل في الكتب التي قرأها في “المدار” صورة فوتوغرافية لا تُنسى لقد التقطت الصورة في أواخر العقد الثاني من هذا القرن، وهي لرجل يستجلي صهوة جواد مندفع بكبرياء. يلوح بين أذنيه سيفاً لامعاً ليواجه بهما بوضوح لا يحتمل التردد طائرة تركية كانت تنقض عليه.

لقد كانت تلك صورة حقيقية ولم تكن فيلماً، لم تكن معدة سلفاً للإعلام كانت تلخيصاً فذاً ومروعاً للحقيقة، كانت تُمثّل كيف أطل العرب على القرن العشرين من خلال الثورة العربية الكبرى.

بين تلك الصورة الرمز وبيننا نصف قرن تماماً وإذا اجتذبنا أنفسنا بعيداً بعض الشيء عن الدوامة التي تستغرقنا وتشغل أيامنا لرأينا فيما حدث خلال نصف القرن تطوراً يشبه المعجزة.

ومع ذلك فإنه لم يكن نصف قرن تماماً وفي الواقع فإن الإطلالة العربية على العصر لا تزيد كثيراً عن ربع قرن، لقد تسلّم الرجال المحليون دَفة بلاد شاسعة خارجة من العصور الوسطى قبل ربع قرن تقريباً.

إن الذي حققه العربي لنفسه خلال هذه الفترة الوجيزة هو شيء كبير في قياس التاريخ، لقد كان خارجاً لتوه من تحت العباءة السوداء التي ألقاها فوقه الحكم العثماني المتخلف. طوال قرون كانت ذات قيمة جوهرية في تاريخ الإنسان المعاصر، وإذا كان التاريخ قد شهد أمثلة عديدة ليقظات سريعة في ألمانيا واليابان مثلاً، فإن تلك اليقظات لم تكن لتنطلق من نقطة الصفر. كانت تنطلق من طبقة موجودة تكنولوجياً وسياسياً وعسكرياً. وإن كانت طبقة شنّت الحرب، أما بالنسبة للعرب فقد بدا الدخول إلى العصر من نقطة الصفر المحض.

لقد شهد جيلنا نحن على سبيل المثال تطورا مذهلاً قد يكون اقترابنا الشديد منه قد أفقده في نظرنا قيمته الكبرى. إن الفروق الجذرية التي تفصلنا عن آباءنا ليس لها مثيل قط ومن النادر أن شهد التاريخ مثل هذا البون الشاسع بين الأجيال المتقاربة، بل أن تلك الفروق نستشعرها أزاء اخواننا فالعجلة تجري بأسرع مما يمكننا الإستيعاب.

إن هذه الحقيقة مهمة فقط من حيث كونها تلغي نظرية عدم الجدارة، وضعف قابلية العرب للتطور، وهي نظرية لا يبنى عليها جزءاً أساسياً من دعوى تبرير غزوه فحسب، ولكنها باتت تُستخدم كمنطلق نظريّ لدى بعض كُتابنا تحت ستار النقد!

إن المسافات بين أجيالنا الراهنة لم يعد ممكناً بعد قياسها بالسنوات، والتطور باتت أسرع من أن توضع له حدود، ومن هنا تنبع واحدة من أهم مشاكلنا المعاصرة فهذه الحقيقة على بساطتها تتناقض تناقضاً جوهرياً مع قاعدة إجتماعية موجودة في حياتنا وليس بالوسع التخلص منها بسهولة وهي القاعدة التي سنطلق عليها مبدئياً إسم قاعدة الأبوة.

فالأكبر عمراً تقليدياً يطلب من الأصغر دائماً حق الإحترام والتسليم، وإذا كان هذا التقليد قد شكل جوهر المؤسسة الإجتماعية في فترات الركود فإنه يشكل الآن وسط الديناميكية التي تتجاوز نفسها كل يوم قيداً صعباً يؤدي إلى نتائج شديدة الخطورة.

ولا يعني هذا على الإطلاق التخلي عن المؤسسة العائلية، ولكن يعني حتماً أن يضاف إليها بند حيوي وأساسي، هو أن يبادل الكبير الصغير الإحترام.

إن ما أسميناه بـ قاعدة الأبوة، تعكس نفسها إلى أبعد من الإطار العائلي ومع ذلك فقد يبدو الإطار العائلي أفضل مثال عنها ولكن ليس أهمها، إنها تعكس نفسها كقاعدة على حياتنا الإجتماعية والسيّاسية أيضاً فهي تؤخر في إندفاع الطاقة الشابة إلى القيادة، في وقت تتميز فيه حركة المجتمع بالسرعة، وتستلزم بالتالي التصاعد معها لا تكبيلها.

سنسارع إلى القول بأن هذا الكلام لا يعني على الإطلاق التقيد بالمعنى المباشر لصيغة العناصر الشابة، إذا ليس المقصود بالضبط العمر بالسنوات على الرغم من أهمية ذلك، ولكن إضطلاع الصيغة الشابة يتجاور التعريف المحدود إلى ما هو أبعد منه، إلى الصفة العقلية للعنصر الشاب أي إلى العقلية الشابة التي توازي مستوى العصر وتتجاوب معه بغض النظر لو استلزم الأمر شهادة الميلاد.

ومع ذلك فإنه في وضعنا التطوريّ الراهن، غالباً ما تتوازى العقلية الشابة مع العمر الشاب، فإذا وضعنا هذا في الحسبان فإنه ينبغي أيضاً عدم إلحاق أي ظُلم بالإسثناءات التي قد تكون كبيرة جداً.

وسواء أكان الوضع خاصاً بهذه الفئة أو تلك ممن تمثل العقلية الشابة فإن هنالك سدوداً غامضة واقفة في طريقهما يتعبهما الإنتظار أمامها إلى حد التخلي أحياناً، وإذا تهيأت لهما فرصة تجاوز تلك السدود فإنهما يجدان من الصعب أن يتركا مكانهما الجديد بعد أقل وقت ممكن للجيل الأحدث الذي وصل لتوه بعدهما.

لقد أدت هذه الحقيقة إلى سلسلة من النتائج قد يكون أبرزها هذا الاستسلام في قبول مبدأ أن يظل صاحب السلطة أطول فترة ممكنة على رأس السلطة بدل أن يكون التبديل تجاوباً مع ديناميكية التطور ودفع رجال العصر في تطورهم الدائب إلى القيادة على مختلف المستويات.

مرة أخرى سنسارع إلى القول أن ما نقصده بالقيادة لا يعني على الاطلاق زعامة الدولة، أن المسألة ليست ولا ينبغي أن تكون مسألة فرد أو مسألة مجموعة من الأفراد إن المقصود بالقيادة هو كل المستويات التي يمارس منها الإنسان في مجتمع معافى قدرة التأثير.

الواقع أن رئيس الدولة أو زعيم الحزب هو من حيث الواقع محصلة لمجموع القيادات الموجودة في الجسم الإجتماعي والسياسي الذي يترأسه. ومن الظلم النظر إلى هذه المسألة نظرة ذاتية. إن تغيير قمة الدولة ليس على الاطلاق تغييراً بالمعنى الذي تعنيه الكلمة. وطالما إن مجموع القيادات التي تشكل الهرم السياسي ليست في وضع سليم فإنه من العبث أن نطلب من ذلك التغيير أن يُلغي مطامحاً.

إن القضية وراء هذا الكلام أعمق من مجرد التحرّك الشكلي فقد آن لنا ألا نوجه طاقتنا إلى سطح الإشكال وإلى الجزء الظاهر على صفحته الخارجية، وحين نتحدث عن التغير فنحن نقصد التغير العميق في البنى التحتية للتكوين السياسي والإجتماعي وهو ذاته التغير الذي يعطي رئيس دولة ما. أو زعيم حزب ما أو القيادة المشتركة لتنظيم ما. طاقته الحقيقية وقابلياته وأداة وسلطة وإمكانية تحقيق مطامحه وخطته.

ولذلك فإننا حين نقول أن ضعف القدرة على إستيعاب العناصر الشابة تجعل من المسلم به قبول مبدأ أن يظل صاحب السلطة في منصبة مدة طويلة يشكل خلالها سداً في وجه العناصر التي تتجاوب أكثر مع تطور العصر، فإنما نشير إلى جميع الأجهزة والمؤسسات والتنظيمات والأحزاب والإدارات والهيئات بصيغها السياسية والإقتصادية والثقافية.

إن هذه الظاهرة تشكل سداً غير مرئي يعرقل نقل قدراتنا العالية على التطور إلى صعيد الممارسة اليومية.

ذلك هو بالذات ما نراه مجسماً في ظاهرة الهجرة والإغتراب، فالإغتراب ليس بحثاً مجرداً عن المال ولكن عن القيمة أيضاً.

وذلك بالذات ما يجعلنا نرى مديري دوائر أقدم على مقاعدهم من الأوراق في أرشيف مكاتبهم.

وذلك بالذات ما يجعلنا لا نرى وجوهاً شابة بالصورة التي تعكس حقيقة التطور الذي نعيشه على مقاعد سلطاتنا التشريعية والتنفيذية.

وذلك بالذات ما نسميه تجاوزاً بأنه انعدام المبادرة والخيال والإختراع. الواقع إن هذا الإنعدام يخص الفرصة وليس القابلية.

وذلك بالذات السبب في تخلف مناهجنا عن اللحاق بروح العصر وتخلف إطارات الإداراة عندنا عن مماشاة سرعة الحركة في المجتمع.

وذلك بالذات أيضاً الذي ألغى من حياتنا السياسية ظهور بادرة تطوع الأنظمة على إختلاف أنواعها للتجاوب مع تلك الديناميكية وللقدرة على إمتصاصها.

سيخيل إلينا لأول وهلة عند إستحضار صور الأنظمة في دول العالم المختلفة، إن الجيل الشاب هناك أيضاً، لا يتمتع بهذه الإمتيازات، وهذا التصور في الحقيقة ليس صحيحاً لاعتبارين هامين: أولهما إن الجيل الشاب يأخذ في الواقع فرصته كاملة في المؤسسات السياسية والإدارية. وثانيهما إن حاجتنا نحن، في غمار تطورنا السريع والشديد الحركة لدفع العناصر الشابة إلى مراكز القيادة أكثر بكثير من حاجة المجتمعات الغربية، التي لا يوجد بين أجيالها المتقاربة ذلك البون الشاسع من فارق التطور الذي يوجد بين أجيالنا.

هذه الحقيقة ستقودنا إلى نقطة جوهرية أخرى هي مسألة الديمقراطية.

إن المؤسسة الديمقراطية ليست ترجمة للمؤسسة البرلمانية وفي الواقع إن البرلمان هو مظهر واحد من مظاهر الديمقراطية وليس هو الديمقراطية.

إن الديمقراطية هي حِسٌ موجود بمقدار متساو من البرلمان إلى العائلة مروراً بالمؤسسات السياسية والإدارية والثقافية التي تشكل الدورة الدموية للحالة الديمقراطية.

وأي إستعاضة عن تلك الدورة الدموية الكاملة بمجرد الشكل أو بجزء من الشكل، هو في ذاته إنتهاك للديمقراطية.

ولذلك فإنه حين تكون مؤسساتنا الإدارية والسياسية والثقافية قادرة على إستيعاب الطاقة الشابة تلقائياً والتاثر بها والتأثير فيها فإن هذه الحالة هي حالة ديمقراطية وعكسها لا يمكن أن يكون بأي شكل من الأشكال له علاقة بالديمقراطية.

إن ذلك كله سيضيف إلى نقطتنا الأولى عن قاعدة الأبوة، معنى جديداً فقابلياتنا لإستيعاب الجيل الشاب مرهونة في الواقع بقدرتنا على قبول تأثيره بِمؤسساتنا وإخضاعها لفهمه الجديد المتنامي، والصحيح هو أن قابليتنا تلك ما تزال إلى الآن محدودة.

إن ما نسميه تخلفاً تكنولوجياً هو ما يركز الكثيرون على الحديث عنه في هذه الآونة وهو في الواقع وفي جزء كبير من أسبابه ناتج عن هدر في طاقة جيلنا الشاب،

ولما كان المتمسكون بالسلطة عاجزين عن التجاوب مع الحركة السريعة لتطور العصر فإنهم يفضلون ألا يفتحوا على أنفسهم أبواب الإنجازات العصرية. كي لا يفقدوا تسلطهم بسبب عدم قدرتهم على التجاوب معها.

إن هذا الكلام لا يعني بالطبع إننا متقدمون تكنولوجياً، ولكنه يعني أننا لا نكتفي بعدم تقدمنا ذاك، بل إننا نضع السدود أمام الإمكانية المتوفرة عندنا لتبديل هذه الحالة بسرعة.

وينتج عن ذلك إن طاقاتنا التي يمكن لها أن تشكل بداية هامّة وأساسية نفقدها دون أن ندرك تماماً معنى ذلك. إن الإحصاءات الأولية التي تحكي عن شبابنا المزود بمستوى علمي ممتاز والذي اضطر إلى الهجرة جديرة بأي تصيبنا بالذهول أمام ضخامة الشكوى من تخلفنا التكنولوجي ولكن الإحصاءات الأخرى غير المتوفرة التي تود لو أنها تقول لنا كم من خبرائنا العلميين يعملون، أو اضطروا للعمل، في ميادين لا علاقة لها بإختصاصاتهم جديرة أغلب الظن بأن تصيبنا بذهول أكبر.

إن هذا العصر يشهد ظاهرة فريدة من نوعها وهي إن الغالبية الساحقة من العناصر التي تشكل جسد المجتمع العلمي والتكنولوجي هي غالبية شابة. هذه الظاهرة نتاج حتمي لسرعة حركة التطور. فإذا طبقنا هذه القاعدة على مجتمعنا الذي يشهد سرعة مضاعفة في حركة التطور رأينا ببساطة كم هي خطيرة وأساسية المشكلة التي يواجهها.

إن إستيعاب هذا التطور يحتاج منا إلى قدرة غير عادية على التجاوب وإلى طاقة هائلة على تبديل الإطارات التقليدية لمسايرته والإرتقاء معه وهذه القدرة والطاقة تفرضها الطبيعة المزدوجة للسباق الصعب الذي نخوضه فنحن من جهة نسابق تخلفنا ومن جهة أخرى نسابق للحاق بحركة العصر السريعة.

والسؤال الآن هو: لماذا رغم كل شيء لم يحدث هذا الإستيعاب؟ لماذا رغم كل شيء لم يفرض الجيل الشاب وجوده بالصورة التي يستلزمها هذا الواقع الديناميكي؟ أليس تبديل الإطارات التي نتحرّك من خلالها هو حتماً مؤكد نتيجة لتلك السرعة المتنامية في تطورنا؟

إن الأجوبة عن هذه التساؤلات هي بدورها قضية زمن، ومجتمعنا في الحقيقة هو في طور الولادة، من غير الحكمة الإعتقاد بأن حركة التاريخ لن تفرض نفسها في نهاية المطاف.

ومع ذلك فإنه لا بد من الإعتراف بأن الواقع الإقتصادي والواقع السياسي الناتج منه يجتمعان بثقلهما فوق هذه الحركة ويؤخران قدرة طاقتيهما من لحظة الإنعطاف الجذري.

ومن هنا لم يكن من المصادف أن تشهد المنطقة على إتساعها سلسلة من المحاولات لفرض لحظة الإنعطاف تلك وبمقادير متفاوتة من النجاح والفشل، والفشل المُرّ ولكن مهما يكن فإن تلك المحاولات بمقادير متفاوتة أيضاً قد عادت فأضحت أسيرة تقييمها الذاتي لنفسها، وبنت من تلقائها ذلك السد الذي يعلو أو يتأخر أمام الحركة السريعة المتجهة دائماً إلى الأمام للجيل الشاب.

في هذا المخاض الصعب العنيف طوراً والمرتد إلى السكون طوراً أخر. برزت ظاهرة حَرية بالتآمل والتحليل شاعت في المنطقة بغض النظر عن الأنظمة المختلفة التي كانت تعيشها بصورة متشابهة تقريباً.

ولم تكن هذه الظاهرة في نهاية المطاف إلا نتيجة حتمية لمجموع تلك التناقضات التي تكمن خلف وفي المحاولات المتعددة التي شهدتها دول المنطقة في الفترة الماضية.

لقد ولدت في المنطقة خلال السنوات العشر الماضية ما نستطيع أن نسميه لغة عمياء وليس ثمة شيء يستعمل في حياتنا اليومية أكثر من هذه اللغة العمياء.

لقد باتت الكلمات التي لا قيمة لها إلا إذا كانت صغيره لا تحمي شيئاً على وجه التحديد. إن التعريف لم يعد موجوداً وبات لكل كاتب قاموسه الخاص يستعمل كلماته على ضوء فهمه الخاص لها وهو فهم غير متفق عليه، ولذلك فهي لا تعني شيئاً.

إن المعاني التي تحملها إصطلاحات مثل الثورية والناصرية والإشتراكية والعدالة والديمقراطية والحرية لا حصر لها في الكتابات التي نطالعها كل يوم ولذلك فإنه يبدو من مجرد رصد هذه الكلمات ومصادرها أن جميع الأطراف متفقة تماماً على كل شيء وبما يثير الدهشة ان أحداً غير متفق عملياً مع الآخر.

يبدو إننا في حاجة ماسّة إلى إعادة القيمة للكلمات كتعاريف محددة تعني شيئاً متفقاً عليه، وهي خطوة كانت لازمة لجميع شعوب العالم في أواخر القرن التاسع عشر وهي على عتبة إنطلاقها نحو العصر.

لقد باتت الإصطلاحات مجرد إغتراب وأدى هذا الصمم المتبادل إلى إنعدام في قيمة الحوار.

ومضى الإشكال إلى أبعد من ذلك فصار بالوسع أن يستخدم إنسان ما اللغة ليستر عجزه أو ليخفي مقصده، وصار بين أيدينا الآن تراث من اللغة العمياء التي أفقدت الحوار قيمته الفعلية، ومن الممكن أن تستخدم لأغراض متناقضة في وقت واحد.

إن الإختباء وراء غموض الكلمات هو سلاح أساسي للذي يشعر بعجزه عن تحقيق هدفه، أو الذي لا هدف على التحديد لديه.

وقد أدى العجز وغياب الفكر الواضح وما صار يسمى “بإستراتيجية العمل” إلى ظهور هذا الطابع الذي يفرقنا حتى الأعماق مما يمكن تسميته بـ الفكر العمائي، الذي يستبدل الوضوح بالتعمي ويرشق غياب الهدف بالكلمات الطنانة التي ترضي الشاعرية الموجودة في أعماق كل منا دون أن تزيد في رؤياه.

إن هذه “اللغة العمياء” قد تكون في نهاية التحليل مبعث إطمئنان أولئك الذين يخشون التغيير فهي ستار من ضباب أمام الحركة التي تخيفهم حقاً. وإن نلاحظ إن ممثلي طبقة معينة يروقهم كثيراً تشجيع هذه الظاهرة التي يعتبرونها تحت ستار الوطنية تعبيراً صحياً فإننا نرى في الواقع إنها ليست سوى درع يؤدي في نهاية المطاف إلى حماية أولئك الذي يجثمون بنفوذهم الإقتصادي والسياسي على صدر حركة التغيير.

هل يمكن أن نسمي هذا المجتمع تمشياً مع رفضنا للطائفة المستغلة إستغلالاً للغة ذلك ممكن بالطبع شرط أن لا ننسى بأن مسألة الإستغلال ذات حدين المُستِغل والمستَغَل فإذا كانت تلك وسيلة المُستِغل، فما هو دفاع المُستغَل؟

إذا كانت للمستغِل إستراتيجية الأبعد مدى عن اللغة بالطبع والتي تخضعها لخدمة ذلك الهدف فما هي إستراتيجية المُستغَل؟

إن ذلك الوجه العملي من الإشكال الذي نستعرضه وهو يطرح على الفور القضية الأكبر التي نسعى أن يكون الآن تجددها. إن اللغة العمياء أفقدتنا بالتدريج القدرة على وضع إستراتيجيتنا الواضحة في مواجهة التحديات التي تندفع نحونا على جميع المستويات.

للعدو الذي يواجهنا على الصعيد الأخطر والذي ينبغي أمام خطره أن نخضع جميع تناقضاتنا لمصلحة حل التناقض الرئيسي معه بإستراتيجيته المحددة التي تشكل خط سير المندفع وصده بشراسة لا تعرف الهوادة.

يطرح بن غوريون مهندس تلك الإستراتيجية واستاذها خطتة كما يلي:

ينبغي أن نتخذ من الفتوحات العسكرية أساساً للإستيطان لا يمكن إنكاره وإيجاد واقع إنساني وإقتصادي وثقافي وإجتماعي جديد، يُجبر الجميع على الإعتراف به وإدخاله في حسابه.

ألا يدرك أصحاب التقاليد والأخلاق الذين يهاجمون حقنا في توسيع حدودنا وضم المناطق المحتلة أنهم إنما يساعدون العدو الذي ما زال يراوغ في الأراضي التي تحت يدنا لأن جزءاً منها قد ضم للدولة بموافقة الأمم المتحدة وجزءاً آخر دون موافقة الأمم المتحدة.

إن الواقع يحتم علينا أن نعير الوضع في المناطق الحالية بالهجرة والإستيطان اليهودي ليس هناك مبرر للدفاع عن حقوق العدو الذي يتربص بنا، فليس له أي حق لدينا.

لقد كتب بن غوريون هذا الكلام في العشرين من تشرين الأول الماضي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية مُعلناً من خلاله دون أي تردد إستراتيجية “إسرائيل” الموجهة حتماً ضدنا.

أمام وضوح في الهدف من هذا النوع أفاد منطق يريد للفتوحات العسكرية أن تكون حقاً للإستعمار الإسكاني، حاذفاً مرة واحدة ونهائياً كل حق يمكن أن يكون للطرف الآخر تضحي اللغة العمياء التي تغرفنا أكثر من مجرد ظاهرة لا معنى لها أو عابرة تضحى جريمة.

إنها لا تعرقل فقط طريق وصول الطلائع الشابة، حاملة معها الدماء الجديدة إلى مرتبة القيادة والتأثير ولكنها تعرقل أيضاً رؤية العدو وإستكشاف غوره ومدى خطره وبالتالي وضع إستراتيجية راسخة لمواجهته وإحباط تحدياته.

وذلك كله لا يحدث بالصدفة ولا إعتباطاً، إنه سلسلة متصلة من الحلقات تشكل في مجموع دوائرها الصغيرة القيد الذي يكبل إنطلاقتنا.

إن ما أسميناه قاعدة الأبوة ليس في الحقيقة إلا نتاجاً حتمياً للعقلية الإقطاعية وللإقطاع السياسي ومنطق الرأسمال الوطني.

وهذه القاعدة ليست ظاهرة سيكولوجية إلا بمقدار ما تبلور الطبقة الظواهر السيكولوجية.

وما أسميناه اللغة العمياء ليس مدرسة أدبية بقدر ما هو قيد فكري طرقت حلقاته على سندان المصلحة الضيقة ليعرقل سرعة حركة التاريخ.

وغياب إستراتيجية العمل التي أسهم في تغيبها “شعبية اللغة” ورعاية قاعدة الأبوة هي بدورها نتاج حتمي لنا. الديمقراطية الحقيقية الملائمة لملامحنا الراهنة والتي تلعب دور الدورة الدموية في جسدنا السياسي والإنقسام على تسمياته تأخذ في هذا المكان أو في ذاك مثلاً أو آخر متسلحة بمعنى اللغة أو بقاعدة الأبوة.

إذا أعدنا ترتيب جزيئات هذه الصورة فإننا سنحصل على الإستنتاج التالي:

إننا نواجه عدواً نقل معه من الغرب خلاصة التكنولوجيا والتطور العلمي وأبدى قابلية كبيرة لإستيعاب العناصر الشابة في مراتبه القيادية مستخدماً في ذلك ليس فقط شكلاً من أشكال الديمقراطية الملائمة تماماً لمستلزماته ومهماته وسرعة عملية التبديل والتطور الجارية فيه ولكن أيضاً إتصاله العضوي والطبيعي بحركة تطور العصر.

وقد أنتج ذلك كله معاً تصوراً واضحاً عنده لِخَطة الإستراتيجي وأدى هذا التصور إلى إختصار كبير في التخطيط وإلى إخضاع الجميع للتناقض الرئيسي الذي أكدته إستراتيجية تلك والقائمة عملياً ويومياً بيننا وبينه.

لقد كانت النتيجة الطبيعية للدورة الدموية هذه من أولها إلى أخرها، تصويب الجهد الفكري والسياسي والإجتماعي والتكنولوجي إلى هدف واضح ومحدد دون هدر ودون إستخفاف.

وفي المقابل على الجهة الغربية لم يكن من المتيسر لظروف تاريخية، تكثيف الطاقة التكنولوجية التي طورها العصر، ولكننا اضفنا إلى ذلك هدراً يثير الدهشة لإمكانياتنا العلمية وللدرجة التي استطاعت رغم كل المصاعب تطويرها وقد أدت البنى الإجتماعية التقليدية إلى إظهار جمود غير عادي في قابليات مؤسَّساتنا السياسية والإقتصادية على إمتصاص عناصرنا الشابة الدائمة التقدم والدائمة التطور والسريعة التبدُل.

وبالتالي فإن عدم وصول الدماء الجديدة بصورة دورية وسريعة وتلقائية إلى مراكز السلطة، بالمعنى العام، كان يزيد ليس فقط في هدر الامكانيات ولكن أيضاً في مواصلة الإنشطار عن حركة تطور العصر.

والنتيجة الطبيعية التي نتجت عن هذه الحالة كانت تتلخص في تقديس البنى الفوقية للمجتمع التي شكلت غالباً حاجزاً أمام ما ينبغي من سرعة التبديل، وحتى في الحالات التي كانت قوة ما أفضل بما لا يقارن من القوة التي قبلها، تستطيع الوصول إلى القدرة على التأثير فإنها كانت تواجه على الفور تلك الجسور المقطوعة التي كانت تفصلها عن البنى التحتية للمجتمع، والتي كانت تؤدي بدورها إلى إبطاء حركة التبديل.

وحتى فيما يختص بالديمقراطية، سواء أُسميت الديمقراطية الثورية أو الديمقراطية التقليدية، فقد ظلت نتيجة لذلك كله، طوافأ على جلد المجتمع، وعاجزة عن أن تكون دورته الدموية الصحيحة.

وأدى ذلك إى تفريغ الحوار بكل ما في ضرورة هذه الظاهرة من قيمته، ودفعه بالتالي نحو ما أسميناه باللغة العمياء التي تشبه ما يسمى شعبياً حوار الطرشان . إن تقارب شعارات الأحزاب والدول في المنطقة وكذلك دساتيرها مسألة تثير الدهشة حقاً إلا أن المدهش أكثر هو كمية التناقض الحقيقي فيها.

وبالطبع فإن هذه الأمور جميعها قد أدت تلقائياً إلى غياب إستراتيجية العمل بالنسبة للعرب، وهذا الغياب يلغي القدرة على تصويب الجهد الفكري والسياسي والإجتماعي والتكنولوجي، بل العددي أيضاً نحو هدف يخدمه خدمة يومية دون هدر ودون استخفاف.

إن غياب هذه الإستراتيجية ألغى القدرة على ترتيب التناقضات التي تواجهها مجتمعات المنطقة العربية. ومعرفة الكيفية التي ينبغي إخضاعها فيها لمصلحة التناقض الأكبر والمباشر.

ولذلك كله خُضنا معركتنا كما يقال دون إستعداد صحيح، ودون إستخدام إمكانياتنا وبمعزل عن طاقاتنا وبتخلف تكنولوجي مذهل، وبتقليدية سياسية وعسكرية جامدة، ولم يشترك الشعب بمعركته وإلى آخِر ما هنالك من الكلمات التي يخشى أن يؤدي تكرار إستعمالها إلى إعتبارها حالات عابرة وسلسلة مصادفات سيئة الحظ!

ففي الحقيقة ليست هذه العناوين إلا نتائج ينبغي تفحصها على هذا الأساس وإلا فإن تكرارها هو الشيء الطبيعي إذا كان منطقها نفسه ما زال سليماً لا يُمَس.

إن خلاف بن غوريون وليفي أشكول ترتد أصوله إلى عام 1917 وقد ظل الإثنان متماسكين داخل تنظيم حزبي واحد حتى عام 1964 ومع ذلك فلا اشكول ولا بن غوريون حسماً مسألة الإندماج من جديد عام 1967، ولكن الدورة الدموية التي كانت تعد الحزبين بالعناصر الشابة هي التي فعلت متجاوبة مع التطورات السريعة بصورة فورية.

ومباشرة بعد حزيران أُبعد اسحق رايين وهو في ذروة إنتصاره عن رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي لأن القانون يحظر في هذا العصر الذي تفوق سرعته سرعة إستيعاب أي إنسان له أن يبقى رئيس الأركان على رأس منصبه أكثر من أربع سنوات وفي الوقت الذي كان اسحق رابين يترك منصبه كانت الوزارة الإسرائيلية تُصر على إبقاء صيغتها كوزارة وحدة وطنية بين عناصر متناقضة يحتد بينها خلاف لا يصدق ولكن ذلك الخلاف كان لا بد من إخضاعه على ضوء الإستراتيجية المرسومة لخدمة المرحلة القادمة التي يتوقع الإسرائيليون لها مهام أخرى.

إن هذه الأمثلة لا ترمي إلى إعتبار العدو نموذجاً يُحتدى به ولكنها تصر على إن ما اصطلحنا طويلاً على تسميته بتوزيع الأدوار بين القوى الإسرائيلية هو في الحقيقة ليس كذلك ولكنه ببساطة عند تعرضه إستراتيجية مرسومة سلفاً هي وحدها التي تضع واجبات وحقوق مرحلة من المراحل، وبالتالي فإن غياب إستراتيجية من هذا النوع على الصعيد العربي سيكون من شأنه الوصول بنا إلى ما نكتفي بتسميته “خطأ في التقدير” بيد أن الخطأ في التقدير ليس على الإطلاق سبباً : أنه نتيجة.

إن ذلك كله يقودنا إلى نقطة جوهرية تتمثل في التساؤل التالي:

إذا كانت المسألة في مجملها، وكما قلنا ليست مسألة تبديل القائد لأنه في الواقع طرف واحد في الموضوع فكيف السبيل إذن إلى عصرنه أجهزتنا السياسية والإقتصادية ومؤسساتنا الثقافية وجعلها ذات قدرة على الإستيعاب تتناسب في طاقتها مع سرعة حركة التطور في مجتمعنا؟

إن هذا التساؤل يضعنا في صلب المسألة الديمقراطية هذا الاصطلاح الذي نفهم منه حكم الشعب للشعب وبالشعب بغض النظر عن المصطلحات التي تحمل كلمة الديمقراطية أقل مما تعني.

وطالما اننا نعتبر البرلمانية مظهراً واحداً للديمقراطية وليس هي الديمقراطية، وطالما إننا نقصد بالديمقراطية تلك الدورة الدموية السليمة المتجددة التي تصل إلى جميع أجزاء وأطراف الجسد الإجتماعي فإننا مطالبون تلقائياً بأن يجعل الحِسّ الديمقراطي ممارسة يومية على جميع المستويات.

لقد شهدت البلدان العربية، في نطاق حوارها مع الديمقراطية تجارب تستحق الدرس شهد بعضها برلماناً دون حرية صحافة، وشهد بعض آخر منها حرية صحافة دون برلمان، وشهد بعض ثالث برلماناً دون حرية أحزاب وبعض رابع أحزاباً دون برلمان وبعض خامس شهد برلماناً وأحزاباً وحرية صحافة دون أن يستطيع ذلك كله معاً أن يكون الديمقراطية الحقيقية رغم إن كل تجربة من هذه التجارب قد وصفت نفسها بأنها الـ الديمقراطية.

فأين هو الحل إذن؟

إنه من الظلم في الواقع أن نفتش عن الديمقراطية من خلال الصيغ والحكم على وجودها أو عدم وجودها من خلال كمية المظاهر التي تأخذها الديمقراطية في مظهرها البرلماني فنحن أيضاً مطالبون بالبحث عنها في مظهرها الإجتماعي وفي مظهرها الثقافي.

ولكن أبعد من ذلك نحن في الواقع مطالبون بأن نبحث عنها في مظهرها الإداري وفي مظهرها الجامعي، وقبل ذلك كله في مظهرها الحزبي.

إنه من المسلم به أن الحزب بالذات هو تكثيف للتجربة الديمقراطية، ولذلك فإن قدرة أي حزب وطاقته وجدارته تقاس بحركة الدورة الدموية في جسده، وسوف نرى بالتجربة التي مرّت بها الغالبية الساحقة من أحزابنا إنها كانت تشكو من أنعدام في الديمقراطية داخل أجهزتها ذاتها وأيضاً في العلاقة فيما بينها.

في داخل أجهزتها كان الرجل المؤسس يأخذ طابع التقديس وكانت القلة المحيطة به تشكل السقف الذي تصطدم به الحركة الصاعدة للجيل الشاب.

خارج أجهزتها في علاقاتها مع الأحزاب الأخرى، كان الإتهام بديلاً للحوار وكان التشويه المتعمد بديلاً للفهم المتبادل.

في داخل أجهزتها أدى التسلط القيادي إلى منع حركة النشوء وأدى تقديس الدور القيادي لقادتها الذين لا بديل لهم إلى الإنعكاس في تقييمها لذاتها حين جعلت من نفسها أيضاً قوة لا بديل لها.

وخارج أجهزتها أدى تقييمها الإيجابي المطلق لنفسها إلى تقييم سلبي مطلق لغيرها!

إن الجسد الإجتماعي يمكن تشبيهه بالجسد البشري، فإذا كان لكل غُدة دورها فإن الخطر ليس فقط في إختلال عملها الذاتي ولكن أيضاً في اختلال علاقاتها بالغدد الأخرى.

وبالنسبة للغالبية الساحقة من أحزابنا فقد عجزت سواء في بنياتها التنظيمية الداخلية أو في علاقاتها مع الأحزاب الأخرى عن أن تكون نواة الحِسّ الديمقراطي الحقيقي. وغياب ذلك الحِسّ أدى بدورة إلى عرقلة تبلور إستراتيجية واضحة سواء لديها أو في تصورها للدور الذي ينبغي لجميع القوى أن تلعبه معاً.

إن التكوين الحزبي تجربة لا غنى عنها ففيها يتعلم المواطن الوسيلة الاجدى للعب دوره في المسؤولية العامة. ولا يكتسب داخلها ثقافته السياسية وتصوره للعمل السياسي ولكن أيضاً ما يمكن تسميته بالأخلاق الديمقراطية.

لقد عجزت أحزابنا عن تحقيق هذه المهمة التي لا غنى عنها، ولم تستطع أن تبلور من خلال إطاراتها الطليعة السياسية التي تستطيع أن تلعب الدور القيادي في المجتمع، وبالتأثير به التأثر منه في آن واحد.

وأدى ذلك العجز إلى نتيجة أخطر من حيث القيمة، وهي عجز هذه الأحزاب عن بلورة إستراتيجية تتناسب مع ديناميكية المجتمع الذي تصدت للتعبير عنه أو عن بلورة صيغة بديلة للصيغ التقليدية التي رفضتها.

وهذا كله يشكل في الحقيقة جانباً من الجوانب التي أدت إلى ظاهرتين متلازمتين في حياتنا الحزبية وهما التعدد من ناحية والعجز عن استقطاب القوى الإجتماعية الفاعلة من ناحية أخرى.

في ظروف من طراز تلك التي يعيش فيها مجتمعنا، يشكل غياب الأحزاب الفاعلة، التي تمثل قوى حقيقية في الإجمال طاقة مهدورة بلا حساب، خطأ مُهلِكاً وقصوراً فظيعاً تترتب عليه نتائج خطيرة على مختلف المستويات.

ليس ثمة طريق للخروج من المأزق العميق الذي نعيشه الآن إلا في الحزبية، الحزبية بمعناها الحقيقي الفاعل المنتج التي تمارس داخل أطرها علاقات ديمقراطية راسخة وتمارس في علاقاتها مع بعضها ذات العلاقة، على صعيد حوار بنّاء ومنتج.

ومثل هذه الشروط للحزبية تلغي ظاهرة التعدد الذي لا مبرر له، والذي هو في جوهره تكرار للأخطاء وللقصور أكثر منه تجديداً للمحاولات وتصعيداً للدور.

لقد اتخذت أحزابنا في تجاربها الماضية صيغىة من صيغ التجمع الطائفي أو العشائري أو الطلابي، وهي في مجموعها صيغ لا تحدد قوى إجتماعية حاسمة وليست ذات حدود ثابتة وواضحة، وقد أدى ذلك كله بالإضافة إلى نقل عقدة الأبوة إلى التكوين الحزبي ذاته وإلى شكل ومضمون علاقاته بالأحزاب الأخرى، أدى إلى تراكم كمي وليس إلى تطوير نوعي خصوصاً وإن هذه العلاقات مجتمعة قد اتاحت قبول غياب الإستراتيجية للحزب والإفتقار لسرعة إستيعاب الظروف الموضوعية والإرتفاع في إدارة علاجها إلى المستوى الفاعل.

وهذه التجربة لا تلغي قيمة الحزبية ولكنها تصلح نموذجاً للدراسة والنقد ومنطلقاً لعملية تطوير شامل.

لقد أثير في السنوات الماضية نقاش واسع وجدل لا نهاية له حول مسألة الحزب الواحد ومسألة تعدد الأحزاب والواقع أنه ليس بالوسع فرض مقياس واحد والالتزام به وإعتباره نموذجاً لا غنى عنه، ولا بديل له، فلكل ظرف موضوعي أسبابه وحوافزه وإجتهاداته. ومع ذلك فإن الأساس يظل أولاً في قدرة هذه الأحزاب مجتمعة، أو الحزب الواحد منفرداً، على أن يحقق داخل إطاراته التنظيمية وفي علاقاته بالقوى المنظمة الأخرى الدورة الدموية الحقيقية التي تجعله ظاهرة صحية وليس تطوافاً على سطح حلقة مفرغة.

إن الحزب السياسي هو شكل واحد من أشكال تنظيم القوى الفاعلة في المجتمع، ولكن هناك أشكالاً أخرى لقابلية التنظيم هذه، تتمثل في التنظيم النقابي، العمالي والفلاحي والمهني أو في التنظيمات الثقافية التي غالباً ما تلعب عن عمد أو بتلقائية دور الأرض التي يجري فوقها الحوار البناء. وسواء أكان التنظيم حزباً أو نقابة أو جمعية فإن شرطه الأول ينبغي أن يكون سلامة الدورة الدموية في جسده، وقدرته البديهية ليس على الحوار فقط ولكن أيضاً على توفير طاقة إستيعاب ما هو شاب وجديد والتبدل به ومعه.

لم تكن المشكلة أبداً في المنطقة ممثلة في استحالة التطور ولكنها كانت في إننا لم نستخدم طاقتنا المتطورة لنضاعف حركة تقدمنا.

لم يكن مأزقنا في أننا فشلنا في تنفيذ خطتنا، بل كان في إننا لم يتح لقدرتنا فرصة وضع خطة.

ولم تكن هزيمتنا فقط لأن القوى التقليدية، سياسياً وإجتماعياً وإقتصادياً كانت تكبلنا ولكن أيضاً لأن القوى البديلة كانت مسلحة بالرفض أكثر مما كانت ترفع إستراتيجية جديدة ومتكاملة.

ووراء ذلك كله لم يكن عجزنا تعبيراً عن لا جدارتنا بل كان نتيجة لمنع دماء مجتمعنا الجديد من أن تصل إلى الرأس والذراعين.

لم تكن المشكلة في إننا لا نعرف بل في إننا لم نُتِح لمن يعرف أن يقول أو أن يعمل.

لم تكن في إننا كنا غرباء عن العصر ولكن في اننا أهدرنا العناصر الشابة التي هي جسرنا إلى العصر.  ومسؤولية ذلك كله كما حاولنا أن نثبت، ليست مقتصرة على ذلك الفرد أو هذا، أو على نظام دون غيره أو على تنظيم دون سواه ولكنها مسؤولية الجميع بدرجات تكاد تكون مُتساوية.

إن المنطقة برمتها تقف على أبواب منعطف تاريخي حاسم، وليس الإنتصار في هذا التحدي إلا إنتصار الجميع، وليس في الهزيمة إلا إندحار الجميع.

وأيّ تصور موضوعي تُقيمه السنوات القليلة التي تجتازها المنطقة الآن يثبت شيئاً واحداً على الأقل هو أنه لا يوجد من يستطيع التنصل منه دون ثمن باهظ، و مهما كان الجدل النظري الذي يمكن أن يشغل الأفكار حول وحدة المصير في المنطقة، فإنه مما لا شك فيه إنها وحدة لا تبدو أشد منها الآن في أي وقت مضى وهي تواجه من خلال الهزيمة المهنية تحديات تصل إلى درجة موت أو حياة.

وهذا التصور يلقي لتوه على كاهل لبنان مهمات قد تكون ظروفه بالذات تهيئة للعبها على نحو مصيري، ليس فقط في نطاق دور يقوم به ازاء التحدي الكبير، ولكن أيضاً في نطاق دور يقوم به أزاء التحديات الأصغر التي يُشكل مجموعها قضيته الداخلية.

إن الدور اللبناني هو حصيلة موحدة لثلاثة عناصر جوهرية: فهو واجب وطني والتزام تاريخي، وقدر جغرافي.

وهو من خلال التحديات التي تبرز في كل واحد من هذه العناصر الثلاثة يقف بدوره على المنعطف التاريخي الذي يستطيع في تجاوزه أن يجدد دماءه ويقطع شوطه في سباقه المزدوج مع العصر.

إن ذلك يحتاج أول ما يحتاج إلى توضيح قاطع للأولويات في سلم التحدي الذي يشكل حضوراً يومياً في المنطقة والإلتزام بالتالي بخطة مواجهة في مستوى هذا التحدي.

ومثل هذا التحديد لا يمكن أن يحدث بالمصادفة، ولا من خلال تلقائية أوتوماتيكية، ولكن من خلال إطلاق الطاقة على الإستيعاب عبر جدل حُر يستقطب حركة التطور المتسارعة في المنطقة برمتها، ويحيطها بالمناخ الجدير بتفاعلها وبلورة قدراتها البناءة.

لا بد للمجتمع أن ينظم حواره من خلال مواقف إستراتيجية حاسمة، ويتيح للقوى الإجتماعية الفاعلة مداها في ذلك الحوار وتنظيماتها وأحزابها، والوصول بحركة الحوار الصحي إلى درجة إيجاد الصيغة القادرة على إمتصاص الطاقة الكامنة في الشعب والتعبير عنها، ومد عروق الدورة الدموية في جسده إلى أقصاها، إتساعاً وعمقاً، وتجاوز الإطارات المحددة نحو قدرة التعبير عن ديناميكية التطور وحيويته التي يحفل بها مجتمعنا.

في الظرف الراهن وطنياً وتاريخياً وجغرافياً، يستطيع المناخ اللبناني أن يفجر الطاقة البناءة للحوار الشجاع والمسؤول، مُستقطباً الأصوات التي تضج من أقصى القارة العربية إلى أقصاها ويستطيع من خلال هذا الحوار ومعه وبه أن يطلق طاقته الذاتية نفسها.

أن يلغي القيود التي تفرضها عقدة الأبوة، متيحاً لعناصره الشابة المتدفقة فرصة نقل ديناميكيتها وحيويتها وإتصالها بالعصر إلى مستوى التأثير اليومي.

أن يمُد شعار الوحدة الوطنية شكلاً ومضموناً من صفته الطائفية فقط إلى صفته الإجتماعية والإقتصادية والسياسية أيضاً، أن يعمق الحِسّ الديمقراطي إلى مستوى الدورة الدموية التي تفعل فعلها في البرلمان كما في الأحزاب، كما في الجامعات كما في المؤسَّسات الثقافية والإدارات نزولاً إلى أعماق التجمعات العائلية.

أن يفتح عيون اللغة ويبصرها ويجعلها ليس تعبيراً عن العجز والغموض والفنائيه ولكن عن الرؤيا الواضحة للقيم والأمور، ويفوت على الجدل والحوار لعبة هدر الوقت والطاقة والمواقف.

ربما كان المناخ اللبناني الآن يشكل جواً ملائماً تماماً لشروق جديد في الحوار العربي، شرط أن تطلق فيه طاقته الكاملة على الإستيعاب والتأثير والإلتزام بالمسؤولية، إن تفجر حس النقد بعد الهزيمة، ظاهرة تشمل القارة العربية كلها وليس من المصادف أن تأخذ بوادرها في لبنان بالرغم من كل ما ينبغي توقعه من تداخل في حدود الجدل والشعارات، وعملياً يلعب لبنان جزءاً من الدور الذي يستطيعه، ومما لا شك فيه أنه سيلعب دروه الكامل طالما إننا نؤمن في طاقاته ومناخه، وبأن الذي سيبقى مهما تعالى الضجيج، هو الذي ينفع الناس.

وذلك كله يلقي بأثقال المسؤولية على كواهل الجميع بمقادير متفاوتة ولكن حتماً بمقادير مُلزمة.

يُلقي بالمسؤولية على كواهل العناصر الشابة في جامعاتها وأحزابها وعائلاتها بنفس المقدار الذي يلقيه فيها على كواهل الزعماء في نفوذهم وأحزابهم وعائلاتهم ومراكز القوة التي يتمتعون بها.

يلقي بالمسؤولية على كواهل المثقفين ليكونوا عناصر توعية لا عناصر تغميض، عناصر التزام بالبناء لا عناصر تستريح إلى الرفض المطلق فقط.

يلقي بالمسؤولية على كواهل رجال الصحافة والإعلام ليكونوا عند مسؤولية الأداة الخطيرة التي بين أيديهم، ومسؤولية الحصيلة التي يفرضها الواجب الوطني والالتزام التاريخي والقدر الجغرافي.

يلقي بالمسؤولية على كواهل مهندسي سياسة الدولة وبناء إستراتيجيتها الداخلية والخارجية التي تفرض بلا تردد إستيعاب القدرات الكامنة في المجتمع والعناصر الشابة التي تمثل الدماء المتجددة لهذا المجتمع والتي تجعل في خلاياها الصلة مع حركة تطور العصر.

لقد حققت القارة العربية، خلال ربع القرن الذي سارت خلاله إلى العصر الحديث واحدة من معجزات التطور في التاريخ، حققتها فوق أرض من وحول التخلف المظلم امتدت في حياتها أكثر من خمسمائة سنة، وحققتها رغم إستفراس قوى مضادة أحاطت بها وشغلتها من الداخل والخارج في سلسلة من التحديات المصيرية التي ظلت تشكل بالنسبة لها مواجهات يومية صعبة.

ورغم ذلك، فإن مطامحنا ما تزال أوسع وأكبر من أن نلجأ إلى السكون وإذا كان لهذا أي معنى فهو معنى الجدارة.

لقد جاءت الهزيمة فوجدت طاقة هائلة لدى هذا الشعب ليس لرفضها فقط بل لمراجعة الحساب مع نفسه، والتصدي لتجربته بأقسى ما يمكن من النقد إلى درجة الإيجاع فإنه إنما يفعل ذلك ليرضي مطامحه التواقة بلا تردد إلى الأكمل والأفضل.

في تجربته الصعبة الراهنة يضيف الإنسان العربي إلى إرادة الصمود عنده إرادة الإنطلاق والتصحيح فقد يكون الإنسان العربي هُزم في معركة قتال لم يُتَح له فيها أن يقاتل كما ينبغي وكما يستطيع ولكن إرادته على الصمود والإنطلاق لم تهتز بل اكتسبت على العكس قابليات إضافية تزيد في صلابتها وتوقها إلى الأفضل، وهو يعبر عنها جميعاً في تيقظ غير عادي لحس النقد والمراجعة عنده.

ومع ذلك فإنه من غير الحكمة أن نتصور بأن الإنسان العربي يجد في هذا التيقظ النقدي تعويضه وقد تكون فترة الإنتظار التي يعيشها الآن على أعصابه مشابهة لتلك التي عاشها عام 1949 أو لتلك التي عاشها الشعب الروسي بين عام 1904 ساعة تلقي اللطمة المدوية من اليابان وعام 1905 عندما ثار ثورته الأولى التي كانت أرهاصاً لثورته التي جاءت بعد ذلك بعشر سنوات وغيرت وجه القرن العشرين.

إن ما يحدث الآن ليس المخاض، ثمة شيء عظيم يولد بين ركام الهزيمة مثلماً يولد بركان من تحت الشظايا الباردة لجبل مهجور. فالجرح إذا انفتح في جسد ميت لا يؤدي إلى أي اهتزاز ولكنه إذا ما انشق في جسد حيّ زاد قابلياته للمقاومة، وحرّك القوة الكامنة في أعماقه وضاعف من طاقاته على الرّد.

إن الجسد العربي الذي تلقى الجرح يتحرّك ويبرأ ويتحفز ويقاوم، ويُضاعف طاقة حواسه يقف على قدميه الصلبتين يعبر جسر العذاب.
 

إضغط هنا لتحميل الملف

Share this
Send this to a friend